الوجه الآخر للقاهرة … “بقلم عقيد شرطة سوداني”

اذكر في صيف ٢٠١٠ كنت فى زيارة استشفائية للقاهرة .. وكانت تلك اول مرة اعرف الوجه الآخر للقاهرة .. الشعور الحقيقي الذي يكنه لنا الاخوة في شمال الوادي ..
بدأ الامر في المطار حين استقبلني ضابط الجوازات المصري بكامل الانفة والغرور والتعالي .. نظر في وثيقة سفري ثم امرني بالذهاب لمكتب التحقيقات ..
ذهبت للمكتب ووجدت ضابطا برتبة المقدم .. و مساعد شرطة ( صول ) ..
كنت واقفا لم يتكرم علي الضابط بان يجلسني حتي في مقعد .. عاملني كالمتهم المجرم ..
اخرج حزمة من وثائق السفر .. سألني عن جنسيتي اخبرته اني سوداني .. ثم عن اسمي ..
بعدها اخرج جواز سفري من كومة الجوازات ..
ثم قرأ الجواز .. مع العلم ان وظيفتي في الجواز هي ضابط شرطة سوداني يتبع لوزارة الداخلية وكنت حينها برتبة النقيب ثم دار بيننا حوار ( كما اسماه ) وهو في الاصل تحري شرطي ابتدائي يغلب عليه الغباء والسماجة.. ويفتقر للباقة والحصافة ..
– اسمك ايه ؟
– مكتوب عندك في الصفحة الاولي في الجواز ..
– بتشتغل ايه ؟
– برضو مكتوب في نفس الصفحة .
– سبب زيارتك ايه لمصر ؟
– افتح صفحة رقم ٦ بتلاقي فيها تأشيرة القنصلية المصرية وموضح فيها سبب الزيارة .
عندها انتهرني الصول ..
ما ترد ع الباشا كويس يااااض ..
احسست بالمهانة والاذلال .. وسري الدم في عروقي ..
– اسمع يا صول هوي .. انت ضابط ؟
– أيه ؟
– سؤالي واضح .. اتا ضابط ؟
– لا .. انا ( امين شرطة ) ..
– انت قريت الجواز دا مكتوب فيهو الوظيفة شنو ؟ .. انا ضابط وما بتكلم مع عساكر .. اوعك تفتح خشمك دا معاي ..
سكت ..!
ثم نظرت للمقدم ..
– انتو عندكم هنا عادي العساكر بتقعد مع الضباط في كراسي وبتخلف كراعها وتقل ادبها علي الضباط الضيوف ؟
اسمع يازول ..
البيحصل ده تحري .. ما دردشة .. وانا ضابط ما مكوجي .. عندك خيارين ما اكتر ..
تديني بي تهمة وتتحفظ عليّ .. وتستدعي لي الملحق العسكري من السفارة لاني تاني كلمة زيادة ما عندي ليك ..
او ترجعني بلدي في اول طيارة راجعة الخرطوم ..
صمت الضابط ..
ثم حاول تهدئتي وختم بختم الدخول وناولني جواز سفري ..
بالرغم من اتفاقية الحقوق الاربعة والحريات .. فهذا ما وجدناه منهم .. حتي علي الصعيد الرسمي وكل معاهدات واتفاقات الزمالة المهنية بين الاجهزة الرسمية باعتبارها جهات اعتبارية رسمية لها تعاملها الخاص الموصي عليه في هذه الاتفاقات ..
بعدها ب اربعة ايام كنت استقل ( الميكروباص ) متجها من القاهرة ناحية ستة اكتوبر ..
في الطريق وامام مبني مديرية امن ٦ اكتوبر .. اوقفت الحافلة دورية شرطة ( لجنة ) ..
مد العسكري رأسه داخل الحافلة وسأل ..
– في سوداني هنا ؟ ..
اشار كل راكبي الميكرو باص باتجاهي .. يبدو انهم عرفوني من خلال حديثي اثناء الرحلة بالهاتف ..
اشار لي العسكري بالنزول .. وسط همسات وتذمرات الراكبين . ( مللونا البلد ) .. ( كلهم مجرمين ) وتعمدوا ان يسمعوها لي في اذني هكذا بكامل القرف والعنصرية .. هذا لمن يعتقد ان المشكلة اعلامية او حكومية ..
هذه عينة عادية للمواطن المصري في المواصلات ..
نزلت طلب مني وثيقة السفر .. ولحسن الحظ كنت احملها .. نظر اليها ثم امرني بالذهاب والعودة للحافلة ..
غضبت حينها وتوجهت صوب الضابط في عربة الشرطة ملوحا بوثيقة سفري والبطاقة الشرطية ..
ثم خاطبته ..
– البحصل ده شنو ؟
– اجراء روتيني ..
– روتيني انكم تفتشو السودانيين من دون الشعوب وتنزلوهم بالطريقة المهينة دي .. عشان بس سودانيين ..
– اعمل لكو ايه ما كلكلم تجار حشيش .. ودي اوامر الداخلية ..
بعدها بثلاثة ايام غادرت مصر دون ان اكمل علاجي ..
والي الآن لم تطأ قدمي ارضها ..
ختاما اقول ..
الحب احساس .. لا تصنعه البوستات .. وكذلك لا تلغيه ..
و الكراهية كذلك ..
لا تستطيع ان تحب شخصا تعثرت به علي قارعة بوست ..
ولا تستطيع ان تجبر نفسك علي تقبل شخص لو ملأ الاثير حشد من المفارقات والقصص والحكايا التي تؤسس لاخوة وعاطفة لم نجدها سوي في حروف الكتب ..
والشعوب هي مجموعة شخوص ..
فالذي يحدث في شعور الشعب السوداني تجاه المصري .. هو تراكم لمواقف عديدة حقيقية عبرتهم ذات وجع .. فلكل سوداني قصة .. وحكاية لا يتردد في ان يسردها لك مليئا بالالم ..
فكان الاعلام هو مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير ..
فوفروا عليكم بوستاتكم التي تحاول ان تحشر المواقف التاريخية المقروءة بطريقة خاطئة جعلتنا دوما في موقف الضعيف ..
يبدو ان زمان الكراهية والحقد قد لاح .. ويبدو ان الكراهية ولاول مرة تتجه من الجنوب تجاه الشمال ..
وكما قال جويدة ..
جثث السنين تنام بين ضلوعنا .. واشم رائحة لشئ مات في قلبي .. وتسقط ( زفرتان ) ..
توبة فسدت ..
ضمير مات ..
العطر عطرك والمكان هو المكان ..
لكن شيئا قد تكسر بيننا .. لا انت انت ولا الزمان هو الزمان.
المصدر: “وكالة سودان برس”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!