المسكوت عنه فى العلاقات السودانية المصرية (2) … “د. أمين حسن عمر”

لاشك أن شيطنة الشعب المصرى وتصويره وكأنه عدو للشعب السودانى إتجاه خاطىء وجائر.فالشعب المصرى شعب شقيق مغلوب على أمره، تصله بأهل السودان أوصر عديدة ومتينة . فالشعب المصرى ليس هوالملأ المتحكم فى أمره بل هومجنى عليه مهدور الحقوق من هؤلاء . والملامة على الإساءة لعلاقات البلدين ووزرها إنما يقع على كاهل النخبة ،فالنخبة السياسية التى تمسك بالزمام فى كافة المجالات لاتعرف عن السودان شيئا إلا أنه الفناء الخلفى للبيت المصرى، والذى لا يزيد فى أعينهم عن كونه ساحة تتنزه فيها المصالح المصرية ،وكما أن محمد على باشا جاء للسودان لجلب المال والرجال لتسخيرهم فى جيشه، فإن نخبة مصر لا تعرف عن السودان إلا أنه الفناء الخلفى الذى أخطأ عبد الناصر كما يزعمون بالتفريط فيه والسماح له بنيل إستقلاله.فالنخبة المصرية تريد السودان تراثاً تملكه، وتريده بواباً يحرس مصالحها ولوكان ذلك على حساب مقدراته ومصالحه وعزته الوطنية.
الحضارة نوبية وليست فرعونية:
والجدل المثار سببه أن بعض أهل السودان تجرأوا على الإعتزاز بتاريخ بلادهم العريق. وعجباً لماذا يغضب البعض فى مصر من حديث السودان عن عراقة حضارته وربما أسبقية بعض تبدياتها فى السودان قبل مصر وكلا السودان ومصرفى واقعهما الراهن جغرافيا سياسية جديدة لن تلغى وقائع التاريخ فالحضارة نوبية فى غالبها (أى أن النوبيون هم من صنع أمجادها على مر التاريخ )وكانت لها تبديات متعددة وأمتدادات عبر الجفرافيا عبر مصر والسودان وأرتيريا وأثيوبيا أفريقيا والشام آسيوياُ . وموضوع التاريخ أمر علمى ولا ينبغى أن يكون جدليأ ولكن الجدل إنما يدخله إستثمار التاريخ. ولا شك عندى أن الإستثمار المصرى لتاريخ مشترك فى ذات الجغرافيا الممتدة أكبر بكثير من الإهتمام والإستثمار السودانى المعاصر، سواء فى بناء الصورة أو فى السياحة. وما يزعج النخبة هنالك من بزوغ الإهتمام السودانى بالتاريخ وبالسياحة وتلقيه عوناً فى ذلك من بعض أشقائه، إنما مرجعه لسببين أولهما خوف المنافسة على فرص السياحة، فالسودان يملك إلى جانب أثار تاريخه المهملة موارداً سياحية هائلة ممثلة فى المحميات البرية والمحميات البحرية وسياحة الصحراء والصيد وكل هذه جواذب سياحية إن جرى الإلتفات إليهما سوف تمثل تنافساً لا تريده النخبة هنالك. والسبب الثانى هو حكاية البيضان مع السودان وإستعلاء الأولين على الآخرين. فكيف لبواب البرج العالى أن يتطلع ليكون من سكان البرج .فحتى مذيع الجزيرة المصرى إياه المعجب بنفسه، يستخف بالسودان فيقول (حتى السودان ) والعنصرية لا تفت فى عضد الوحدة بين أبناء النيل فحسب بل تفتت الوحدة الوطنية فى ذات البلد بالنظرة الدونية التى ترمق بها النخبة (طبقة البوابين)أهل الحضارة التى يجرى إستثمارها ويذهب خيرها لغيرها.ولقد فضح زاهى حواس هذه النظرة العنصرية عندما تحدث بإنكار اى أصل يربط مايسمية الحضارة الفرعونية بأفريقيا على الرغم من أنه يرى فى كل يوم أشكال الموميات التى يستثمرها ويعلم علم اليقين أنه نوبية النسبة والمحتد. ولكن كثيرمن الناس هم مصداق الآية الكريمة ( وجحدوا بها وأستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)فهو التعالى على البسطاء من أبناء شعبه الدكن الألوان الذين إنما بما ترك أباؤهم من إنجاز يتباهى حواس . ويستخف حواس بتاريخ السودان فيقول : أننا حكمنا السودان آلاف السنوات حتى نهاية الدولة الحديثة والكوشيون حكموا مصر أسرة واحدة وأقاموا أهرامات ضعيفة جدا تسمى المروية)ويقول أيضا (ولا يوجد إنتاج للحضارة السودانية أما الفرعونية فتهز العالم كله من أهرامات وموميات وأكتشافات ) ولن نتوقف عن هذا الهذيان فإنه لا نسبة له لحديث العلماء.فحديث العلماء والأكا ديميين معروف ومظانه معروفة لمن رغب فى تعرف صادق على التاريخ. وما كنت أرانى أصدق أن الناس التى قد تتآمر على الحاضر الراهن يمكن أن تتآمر على التاريخ.بيد أنه كان إستاذنا فى علم الآثار (هيكوك ) الذى أنفق عمره فى محاولة فك طلاسم اللغة المروية القديمة من خلال دراسة اللغات النوبية المنطوق بها لدى النوبيين اليوم، يحدثنا أنه يخشى على حياته بسبب ما يريد أن يرفع عنه أستار الخفاء ،وكنا نعتبر حديثه من باب المبالغة وعقدة الإضطهاد، وكانت هلوسته بأنه مستهدف تجعله موضع الهزؤ منا، بيد أنه مات فى حادث مرورى غامض لم تفك ألغازه حتى الآن ، ودفن حسب وصيته فى السودان الذى آمن بعراقته فى التاريخ. وكان يحدثنا بأن كل كتاب يكتب عن خصوصية تاريخ السودان يختفى من المعروض من الكتب فى سرعة فائقة ، وكأن جهة ما آلت على نفسها أن تنظف الأسواق من كل هذا( الهراء) الذى يجعل لتاريخ السودان خصوصية أو أسبقية. ولم نكن نأخذ قوله مأخذ الجد لكن السؤال يبقى منتصباً لماذا تبذل الجهود الخارقة للتعتيم على كل ضؤ يلقى على تاريخ السودان؟ والتعتيم لا ينال تاريخ السودان وحده بل تاريخ وجذور شعب النوبيين سواء فى شمال الوادى أم جنوبه. فلا تكاد تجد بحثاً واحداً أجراه منتسب للهيئات العلمية المصرية عن أثنولوجيا الشعب النوبى صانع الحضارة بينما المكتبةالسودانية تشكو هى الفقر المدقع فى هذا المجال. لكننا بالنظر للشعب الحى وللتراث المحفوظ لغة وثقافة نعرف النوبيين حق المعرفة فهم الشعب الذى يعيش فى عصرنا الراهن بين أسوان جنوب مصر حتى أبى حمد شمال السودان وكانوا فى الماضى ينتشرون من جنوب القاهرة حتى شمال الخرطوم بل ان الخرطوم نفسها أنشأها النوبة المحس. وتمددوا غربا حتى كردفان ودارفور ولاتزال أجناس منهم تتحدث بلهجات نوبية الأصل مثل الميدوب والبرتى فى دارفور وتمددوا حتى البحر الأحمر شرقا.وكان العرب والعبرانيون والسريانيون يسمون أهل النوبة بالكوشيين نسبة إلى كواشيم بن حام بينما كانت العرب تنسب نفسها إلى سام. والكوشيون يضربون فى التاريخ إلى الجيل الثانى بعد الطوفان وحضارتهم تضرب بإيوانها إلى عهود عريقة وتليدة.وأراء العلماء الأثاريين من أمثال شارلى بونيه الذى أنفق عمره فى دراسة حضارة كوش أن الحضارة النوبية فى الجنوب أقدم بكثير من رصيفتها في شمال الوادي . كما ذهب البروفيسورشارلس بونيه إلى أن ما يطلق عليه الحضارة المصرية القديمة ربما تكون فرعاً من الحضارة النوبية فى الجنوب وذلك للشبه فى الأثار وفى السحنات.وعلى خطى شارلس بونيه يقول د. ديفيد أ. كونور عالم المصريات الشهير والمشرف على العديد من معارض المصريات حول العالم ، بأن الأبحاث الحديثة قد أثبتت أن جنوب الوادي قد عرف الممالك القوية المنظمة منذ وقت بعيد لم يكن فيه شمال الوادي يعرف أية كيانات سياسية منظمة كتلك التي نشأت في جنوبه. ويستشهد علماء الأثار على عراقة الحضارة الكوشية فى الجنوب بنهضة صناعة الحديد الذى هو رمز القوة والإنتقال الحضارى إلى طور جديد. ونحن إذ نتحدث لا نتحدث عن السودان أومصر إنما نتحدث عن حضارة نيلية أفريقية أمتدت على مدى الجغرافيا السياسية التى تشمل السودان ومصر وان أصولها أفريقية نوبية داكنة اللون. وقد بدأت على الأرجح فى حدها الجنوبى ثم تحركت نحو الشمال. ولئن كان ما يسمى بمصر اليوم شهد عصوراً من عصورها الزاهرة فقد شهد مايسمى السودان عصوراً من عصورها الزاهرة.وأما القبط الذين هم سكان مصر السفلى ومن إسمهم يشتق إسم إيجبت(مصر مفردة عربية تعنى منطقة من البلاد فيقال مصر ويقال الأمصار ويقال مصر منطقة ما أى جعلها مصراً)والمصريون أهل مصر السفلى هم أبناء عمومة النوبيين إذ ينحدورون من ذات الجنس القوقازى. بيد أن مصر السفلى شهدت غزوات وإحتلال من شعوب أخرى دام لقرون فغزاها الفرس والأغريق والرومان والعرب وظلت غالب عهودها يحكمها غزاة من خارجها كانت آخرهم محمد على باشا وأسرته التى لم ينتهى عهدها إلا بالثورة المصرية فى العام 1952 والنوبيون اليوم هم الكنوز والحلفايون والمحس والسكوت والدناقلة وأما الكنوز فهم النوبة المستعربة التى إختلطت بعرب ربيعة حيث صاهر زعماؤهم أفراد القبيلة العربية الوافدة فأمتزجت دماؤهم بدماء العرب.و كانت لهم منعة وقوة شكيمة فهم أحفاد رماة الحدق الذين قاوموا الفتح الإسلامى أول أمره قبل أختلاطهم بالعرب وقد أسسوا في فترة من الفترات إمارة بنى الكنز النوبية العربية وكانت عاصمتها فى موضع أسوان الحالية . وقد بايعوا الدولة الفاطمية وساهموا فى نشر الإسلام فى سائر النوبة بعد إذ قاوموه وموطنهم الأصلي هو “مريس” والمناطق المجاورة لها ، إلا أنهم ينتشرون الآن فى اقصى جنوب مصر على الحدود السودانية المصرية ، وهم يتحدثون اللغة النوبية باللهجة الكنزية ويحادهم النوبة الحلفاويون الذين هم إمتداد سكانى وجغرافى لبلادهم ويتحدثون النوبية باللهجة الكنزية ثم السكوت والمحس ويتحدثون النوبية باللهجة المحسية ثم الدناقلة جنوبا حتى قرب حدود المناصير فى محاذاة أبى حمد ويتحدثون الهجة الدنقلاوية وكل هذه اللهجات يتفاهم أفرادها رغم الإختلافات الطفيفة.وقد كنت وجهت إبان كنت مسؤولا عن الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بإن يكون بث إذاعة وادى حلفا مناصفة بين العربية والنوبية مع الإهتمام بالتراث الثقافى النوبى فكانت مسموعية الإذاعة فى النوبة المصرية تماثل مسموعيتها فى النوبة السودانية ولاغرو فالنوبة شعب واحد وتراث واحد. ولذل ك لم أستغرب الأعطال المتكررة فى محطة وادى حلفا بفعل فاعل فى كل مرة .
إستعلاء النخبة ما أسبابه؟
النخبة المصرية ترى لها حقا تاريخياً فى إمتلاك السودان وأهله بحجة أن مصر حكمت السودان وأنها منحته إستقلاله؟ وهذا إدعاء لا يصدقه الواقع، فمصر لم تحكم السودان فكيف يحكم جاره من هو راسف فى القيد مثل جاره ؟ .فلئن كان الحديث عن محمد على باشا وأسرته فلم يكن الباشا محمد على مصرياً ، بل أنه لم يولد فى مصر كما ولد وعاش المماليك الذين جاءوا من الأتراك و الشركس والألبان والمجريين وحكموا مصر قروناً عدداً بعد أن سبقهم فى حكمها الطولونيون الاتراك ثم الأخشيديون المماليك الترك وتبعهم قائد جيوشهم كافور النوبى الدنقلاوى. ثم حكمها الايوبيون بقيادة صلاح الدين الايوبى الكردى. وكان محمد على باشا ألبانى الأصل تركى عثمانى الإنتماء جاء مع الجيش الذى أرسله السلطان العثمانى لإحتلال مصر بعد جلاء جيش نابليون عنها فى مطلع القرن التاسع عشر و بعد إحتراب أمراء المماليك للسيطرة على ملكها، فجاء الغزو العثمانى ليضع يد الباب العالى على مصر مرة اخرى بعد ان احتلها على عهد السلطان سليم الأول ١٥١٧م وفى ذلك الوقت ذاته كانت السلطنة الزرقاء تمد ملكها حتى مصر العليا ويواليها حكام عيذاب وسواكن وباضع.وصحيح أن مجندى الجيش المصرى جاءوا فى جيش محمد على باشا ولكنهم جاءوا مسخرين كارهين ولم يأتواراغبين فاتحين، شأنهم لما جاءوا فى جيش كتشنر الذى أصبح سردار الجيش المصرى، بعدان كان حاكماً للمستعمرات البريطانية فى البحر الأحمر.وكما قال هيكل قولاً نسبه لغيره بعد التأمين على صحته أن خيول الفتح الانجليزى كانت مصرية والجنود الذين يدفعون مركبات الجيش كانوا مصريين. فهل هذا يجعل لهم حق العلو والسيطرة على السودان بحق الفتح ؟وآخر هذا الضرب من الإدعاء ما نسب للدكتور عبد المقصود الباشا إستاذ التاريخ الإسلامى لأحدى الصحائف المصرية إذ يقول (أن السودان سواء الشمال أو الجنوب كانت تابعة لمصر، وربنا لا يسامح ما بدر عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصربمنح السودان الاستقلال عقب نشوب ثورة٥٢ ) فما أعجب هذا القول فمصر التى كانت لا تزال جيوش الإحتلال لم تجلو عنها تماماً بعد هى التى منحت الإستقلال (غير المستحق للسودان ) ومما يؤسف له إن هذه العقلية هى التفكير الراسخ المستقر لدى النخبة المصرية بكافة أطيافها. وأضحك معى إن شئت من قول عضو من هيئة ما يسمى كبار العلماء إذ يقول (أن فرعون تعنى ملك، وأنه كان ملكا لمصر، وأنه بعد واقعة الطوفان زار ابن نوح عليه السلام مصر فسميت مصر،ولم تكن السودان موجودة من الأساس على الخريطة الإسلامية. )ولا عجب فإستحقار النخبة المصرية للسودان قديم قدم معلم أجيالهم المستغرب الأكبر رفاعة رافع الطهطاوى الذى يقول عن السودان وأهله :
وما السودان قط مقام مثلى ولا سلماى فيه ولا سعادى
بها ريح السموم يُشم منه زفير لظىً فلا يطفيه وادى
عواصفها صباحا أو مساءً دواماً فى اضطراب واطّراد
ونصف القوم اكثره وحوش’ وبعض القوم أشبه بالجماد
ومع ركاكة القصيدة التى أحجمنا عن ذكر بقية بذاءاتها فى حق السودان وأهله إلا أنها تعبير صادق عن صورة السودان لدى أمثاله فى زمانه إلى زماننا هذا.وأما أولئك الذين يحبون التوحد مع السودان فإنما يرونه من أملاك مصر التى لايجب التخلى عنها فحتى أحمد شوقى سامحه الله لم تخلو نظرته من نظرية التابعية هذه فالسودان من الأملاك المصرية التى أضاعها تفريط الملك فؤاد إذ يخاطبه شوقى بقصيدة إلام الخلف بينكم إلما وهذى الضجة الكبرى علاما
فيقول:
فأين الفوز لا مصر إستقرت على حال ولا السودان داما
ولكن يحمد لشوقى محبته الصادقة للسودان فهووإن كان لم يغادر فكرة تابعية السودان لمصر فهو القائل :
ولن نرتضى أن تقض القناة ويبتر عن مصر سودانها
فمصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها
وما هو ماء.. ولكنه وريد الحياة وشريانها
تتمم مصر ينابيعه ..كما تمم العين أنسانها
وأهلوه مذ جرى عذبه عشيرة مصر وجيرانها
ورغم معانى المحبة فى القصيدة فالسودان لا يعدو مضافاً ( وإن كان لا يستغنى عنه ) إلى مصر فمصر هى إنسان عين الزمان ولا يلام شاعر على مدح وطنه ،والسودان سودانها، وليت نخبة مصر كلها مثل شوقى إذا لأنزاح عائق كبير بين أبناء النيل.وكان حافظ إبراهيم الذى جاء مع جيش كتشنر يحمل ذات الرأى من تبعية السودان لمصر بل أنه أتهم بتحريض الضباط المصريين على كتشنر لأنه كان يراه موظفا لدى مصر ولا شك أن قلبه الشاعرلم يجعله يستوعب أن مصر هى الأخرى محتلة من الإستعمار الإنجليزى ولئن كان كتشنر يسمى سردار الجيش المصرى فهذا لا يجعله موظفا لدى الخديوى عباس الذى كان فى حقيقة الأمر هو الموظف لدى الإحتلال البريطانى.وقد عبر محمد حسنين هيكل هذه الرؤية بإن السودان سودان مصرومن أملاكها يقول هيكل بصراحته الصادمة أحيانا (وأنا في الطائرة المسافة طويلة طبعا بأفكر، موضوع السودان أنا كان لي رأي فيه باستمرار وهذه كانت زيارتي الخامسة للسودان وأنا لي رأي فيه وكان اعتقادي إنه نحن لا نعرف شيء عن السودان، بالكثير قوي نعرف الطريق من أسوان للخرطوم، لكننا لا نعرف لا شرق ولا غرب ولا جنوب وإن إحنا في واقع الأمر كنا نتكلم عن وحدة أو عشان أبقى صريح يعني عن ملكية بلد نحن لا نعرف عنه شيء، لكنه نحن في مصر عادة وفي العقل العربي عموما نحن ميالون إلى تصديق الأساطير ثم تترسخ هذه الأساطير وتتحول في قلوبنا وفي نفوسنا إلى عقائد ثم عندما يجيء وقت الحل نكتشف أن هذه الأساطير الذي تحولت إلى عقائد الآن أمامنا وقد أصبحت عوائق لأنه لا شيء يمكن أن يتحقق بالأساطير وأنا رايح في الطائرة أنا في أذني لا يزال قصيدة تغنى في الراديو في مصر في ذلك الوقت ومن قبلها الحقيقة يعني من مثلا سنة 1946 – 1947 وفي مصر تغنى قصيدة لشوقي وتغنيها السيدة أم كلثوم ويقول فيها شوقي وما نرتضي أن تقض القناة.. تقطع يعني قناة السويس ويفصل عن مصر سودانها، فمصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها وما هو ماء ولكنه وريد الحياة وشريانها.. وريد الحياة وشريانها صحيح، لكن وما نرتضي أن تقض القناة أنا فاهم شوقي كان يتكلم على إيه لأنه لورد ألنبي سنة 1925 لما راح يوجه إنذاره الشهير إلى سعد زغلول باشا بأن مصر عليها أن تسحب قوتها من السودان وأن تدفع تعويضات لأنه كان وقتها اغتيل سير لي ستاك دار الجيش الإنجليزي وأنتهزها لورد ألنبي المعتمد البريطاني في مصر في ذلك الوقت فرصة لكي يوجه إنذار نهائي للحكومة المصرية ينهي علاقتها بالسودان خالص وسعد باشا مضطرا تحت ظروف هو لا قبل له بها قبل الإنذار واستقال من الوزارة وكانت لحظة شديدة الحرج في تاريخ مصر لأنه ألنبي بعد كده راح شاف الملك فؤاد وقال له أبلغه وهذا واضح أمامي في كل الوثائق إنه إذا لم تسر الأمور فيما يتعلق بالسودان كما تطلب الحكومة البريطانية فالحكومة البريطانية على استعداد لفصل منطقة القناة وتحويلها إلى محمية بريطانية واضحة صريحة لأنه هذا مرفق استراتيجي لا يقل أهمية عن وهذه ملفتة عن جبل طارق، إنجلترا لا تزال في جبل طارق أخذته من إسبانيا واعتبرته مستعمرة محمية بريطانية لغاية هذه اللحظة لم تخرج منه وبالتالي مصير جبل طارق كان موجود في ذهن أو في خلفية عقلية السياسة المصرية بشكل أو آخر أظنه كان ماثل عند سعد باشا وأظنه كان ماثل في ذهن الملك فؤاد وأظنه إنه هو ده اللي دعا شوقي أن يقول وما نرتضي إن تقض القناة ويفصل عن مصر سودانها، لكن تقض القناة أنا فهمها لكن سودانها هنا ملكية السودان)(حلقات قناة الجزيرة مع هيكل )ونظرية إمتلاك مصر للسودان هى مركز النظرة التى تحملها النخبة المصرية لعلاقاتها بالسودان فهى كما قال هيكل ليست علاقة إتحاد بل علاقة إمتلاك .
نواصل
د. أمين حسن عمر

مقالات د. امين حسن عمر>>

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!