“المتهوم” .. دفاع عن د. الترابى (4) … “د. أمين حسن عمر”

كان موقف الترابي من النصرة للنساء فكراً وعملاً يستند على يقين أن الله قد خلق النساء مساويات للرجال في القدرات والملكات مع تنوع الملكات والقدرات بين النساء والرجال
لم أسمع د. الترابي يقول بصلاة النساء بالمساجد وللجمع، ولم يروِ لي ذلك ثقة من الناس، ولو أنه قال بذلك لجادلناه حول ذلك، فقد كنا دائماً أكثر الناس له جدلاً ..لكنه يريد التأكيد على كفاءة المرأة للصلاة مفردة وفي جماعة
كان الترابي يرى أنه ما لم يكتمل تحرير المرأة من النظرة السلبية لشخصها ولدورها ولما يمكن أن تنهض به، فإنه يتعسر تحقيق نهوض وشيك لأمة المسلمين
فكرة الترابي أن التفاضل بين مواهب الرجال ومواهب النساء هو ما يكتمل به استعداد الأمة للنهضة. وهو يرى أن تثبيط همم النساء وحرمانهن من أن يحققن انسانيتهن من خلال العمل الدائب والإنجاز المتميز هو حرمان للأمة كما هو حرمان للنسوة
كان الترابي آخر سلسلة العلماء المرموقين الذين جعلوا الدفاع عن قضية المرأة واحدة من أوليات همومهم. كان على رأس هؤلاء الإمام الطبري أعظم من فسر القرآن بالمأثور وأفضل من كتب في قراءات القرآن، وأفضل من كتب في تاريخ الأمة المسلمة. وكان منهم العالم الفاضل علي بن مرشد الحموي المشتهر بالفارض وهو والد الشاعر الصوفي الكبير أبوحفص عمر بن الفارض، وسمي علي بالفارض لأنه كان قاضياً وقد انتصر للنساء على من يظلمهن من الرجال، وكان ظلم النساء عادة فاشية بخاصة فى المواريث ففرض لهن الفروض، واشتهر بالانتصار لحقوق النساء .
ومن تلك السلسلة ابن قيم الجوزية الذي كتب كتابه أخبار النساء للرفعة من شأنهن بعد أن انتشر الاستخفاف بالنساء.
الترابي وكسوب النساء:
كان موقف الترابي من النصرة للنساء فكراً وعملاً يستند على يقين أن الله قد خلق النساء مساويات للرجال في القدرات والملكات مع تنوع الملكات والقدرات بين النساء والرجال. فالأمر بين النساء والرجال مثله بين الرجال والرجال، فالله لم يخلق الخلق متماثلين بل خلقهم متنوعين ومتفاوتين في المواهب والملكات والقدرات وفي الهمم والعزائم، وكذلك أمر النساء مع الرجال فإنهن رغم اختلاف مواهبهن في الجملة عن مواهب الرجال فإنهن في الجملة لا ينقصن عن الرجال في شيء. فالأمر بين الرجال والنساء هو تفاضل وتكامل، فالرجال يفضلون النساء في مواهب وملكات واستعدادات، والنساء يفضلن الرجال في مواهب وملكات واستعدادات. ولذلك فإن كسوب النساء هي المكملة لكسوب الرجال وجملة الكسوب بين الرجال والنساء هو ما تنهض به الأمة وتتقدم. لذلك كان الترابي يرى أنه ما لم يكتمل تحرير المرأة من النظرة السلبية لشخصها ولدورها ولما يمكن أن تنهض به، فإنه يتعسر تحقيق نهوض وشيك لأمة المسلمين. وهو يرى أن صورة المرأة وفهم دورها لم تشكّله المفاهيم الإسلامية التي انحازت للمرأة وحرّكت أكبر ثورة لتحرير المرأة في التاريخ، وإنما شكلته التقاليد العربية الموروثة من الجاهلية العربية التي نزع الإسلام جذورها في ميادين عديدة إلا فيما يتصل بالمرأة، فقد ظلت تلكم التقاليد الخاطئة راسخة ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يستوصي الرجال بالنساء خيراً لأنه علم ضعف استجابتهم لهديه الذي أوصاهم به، وهو يقول: خيركم خيركم لإهله وأنا خيركم لأهلي. وقارن إن شئت بين هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة النساء وحفظ مقامهن وإكرامهن وبين الروايات التى تنسب إليه بأنهن ناقصات عقل ودين، وأن مخالفتهن هي سبيل الصواب والرشاد.
ورؤية الترابي في شأن حقوق المرأة أنها مساوية للرجال وأنهن سواسية مع الرجال كما تتساوى أسنان المشط. وأن تنوع التكاليف والوظائف بين الرجال والنساء لا يجب أن يشعر أو يبرر عدم المساواة أو أن يحول أن تقوم امرأة بأعمال اعتاد الناس أن يقوم بها الرجال ما لم يكن ذلك ديناً أو عرفاً يعني التشبه بالرجال، وهو أمر صحيح في حال الرجال فلا يجب أن يحرم رجل من أداء عمل تقوم به النساء في العادة إلا إذا كان ديناً أو عرفاً يعد تشبهاً بالنساء، ونحن نشهد الرجال يقومون بخدمة الطبخ وإعداد الطعام التي اعتاد الناس أن تقوم بها النساء، فلا ينكر أحد ولا يعدونه تشبهاً بالنساء، ولكن إن قررت امرأة أن تعمل سائقة في حافلة عامة مما اعتاد الناس أن يعدونه عملاً للرجال فإن حواجب الاستنكار ترتفع تعجباً. لقد أثبتت النساء تفوقهن في كثير من الأعمال والصناعات على الرجال بفضل ما فضلهن الله به على الرجال من مواهب. فالنساء أنجح أداء في كل عمل يستوجب المتابعة الدقيقة واللصيقة والمثابرة المستمرة، فهن بحكم الاستعداد أقدر وأصبر على ذلك من الرجال، ولذلك فشركات الإليكترونيات بما توفر لها من خبرة تفضل استخدام النساء على الرجال. وأعجب من ذلك فقد أثبتت الدراسات أن النساء أفضل من الرجال فى حراسة المنشآت، وهو عمل يُظن أن الرجال أولى به، ولكن التجربة أثبتت أن النساء أصبر على السهر وأقدر على الملاحظة من الرجال. وفكرة الترابي أن هذا التفاضل بين مواهب الرجال ومواهب النساء هو ما يكتمل به استعداد الأمة للنهضة. وهويرى أن تثبيط همم النساء وحرمانهن من أن يحققن انسانيتهن من خلال العمل الدائب والإنجاز المتميز هو حرمان للأمة كما هو حرمان للنسوة.
عبادة المرأة :
والتقاليد الجاهلية لم تُحرم المرأة من العمل، بل حرمتها من التعلم والعبادة. وكأنها تعتقد أن الرجل يمكن أن ينوب عن المرأة فى العبادة. أو لا يعلمون ألا عبادة بلا بصيرة ولا بصيرة بلا تعلم. ولا نحتاج أن نشير إلى أثر هذه النظرة الخاطئة في مستوى تعليم النساء في العالم الإسلامي . فالكتاتيب وخلاوى تحفيظ القرآن كادت أن تكون حكراً للرجال دون النساء، وكأن النساء لسن في حاجة لتعلم العلم والقرآن. والمدارس المعاصرة كذلكم ظلت النساء يُحرمن منها إلى عهد قريب، ولا يزال ذلكم هو الأمر السائد فى كثير من الأرياف. بيد أن النساء بعد أن انفتح أمامهن سبيل التعليم أثبتهن تفوقهن على الرجال في قوة الهمة على طلب العلم والتفوّق فيه. ولا يزال تعلّم القرآن حيث يتاح تعلُّمه في الكتاتيب والخلاوى عسيراً على النساء في غالب أنحاء العالم الإسلامي. وأعجب ما يعجب له المرء أن المجتمعات الاسلامية التي لا يرى غالبها ما يعيب في ارتفاع صوت المرأة بالغناء لا تزال تستنكر ارتفاع صوت المرأة بالقرآن. وأذكر أبان عملي على رأس هيئة الإذاعة والتلفزيون أني حاولت إذاعة القرآن بأصوات قارئات مجودات فوجدت من النكير كما لو أني دعوت إلى حفل مجون في التلفزيون، فتحايلت على إذاعة القرآن بأصوات نسائية عبر نقل القرآن من خلاوى الشيخ علي بيتاى رحمه الله وأحسن إليه بقدر ما علّم من القرآن للرجال والنساء، وبخاصة النساء وزاده فضلاً عطيماً. وحرمان النساء من الذهاب إلى المساجد رغم وصية النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال فاشياً في تقاليد كثير من مجتمعات المسلمين وحتى لو سُمح لهن بالذهاب فحظهن من التعرض للعلم منقوص مبخوس.
المرأة والصلاة :
أثار حديث د. الترابي عن جواز صلاة المرأة جماعة برهطها جدلاً كثيفاً رغم معرفة كثير ممن يجادل بحديث أم ورقة، والذي ورد في سنن أبي داود عن الْوَلِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلاَّدٍ الأَنْصَارِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ يَارَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى شَهَادَةً.
قَالَ« قِرِّى فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ ». قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ.
قَالَ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَّخِذَ فِى دَارِهَا مُؤَذِّنًا، فَأَذِنَ لَهَا.
قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلاَمًا لَهَا وَجَارِيَةً، فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِى النَّاسِ فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًاً كَبِيرًا.
وورد أنه لما قيل لعمر رضي الله عنه: إنها قتلت، قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول: “انطلقوا بنا نزور الشهيدة “. وقد ورد في الإصابة
أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وكان لها غلام وجارية، فدبرتهما فقاما إليها فغمياها فقتلاها.فلما أصبح عمر قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل الدار فلم ير شيئًا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت، فقال: صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر فذكر الخبر، فقال: عليَّ بهما، فأتي بهما فسألهما، فأقرا أنهما قتلاها، فأمر بهما فصلبا.أهـ). والشاهد أنها كانت تصلي بأهل بيتها بمن فيهم الشيخ الذى يؤذن لها ولم لا وهي حافظة للقرآن وله مجودة تقوم به الليل حتى اعتاد الناس سماع قراءتها وهو ما دعا عمر رضى الله عنه أن يفتقدها عندما افتقد سماع صوتها بالقرآن، لكن أصحاب التحامل على النساء يقولون مرة إن المؤذن كان يؤذن لها ولا يصلي معها، ومرة يشككون فى رواة الحديث، وهم أسرع قبولاً بلا تمحيص لأحاديث توافق من يرونه في شأن قلة عقل النساء. ولا أدري إلى ماذا يستند هؤلاء الذين يحرمون صلاة النساء بالرجال مطلقاً حسب الأسس التي يتقدم بها صاحبها للأمامة من قراءة وفقه. ولا مشاحة ولا جدل أن الأولى هي أمامة الرجال ولكن أحد من الناس لم يقل أن الرجل يؤم ولو على غير قراءة ولا فقه نساءً يفُقنه قراءة وفِقهاً . وما نتحدث عنه ههنا ليست صلاة المساجد ولا الجمعات كما حاول البعض أن يصور الأمر، فالصلاة في المساجد واجب على الرجال جائزة للنساء، وأهل الواجب أحق وأولى من أهل الجواز، وأهل الفريضة أولى من أهل النافلة، ولا يتصور أن تقدم امرأة لتؤم الجمعة الراتبة، فإن الأحوال التي تعتريها بين الفينة والأخرى تحول دون ذلك ولا تجعله راجحاً. ولم أسمع د. الترابي يقول بصلاة النساء بالمساجد وللجمع، ولم يروِ لي ذلك ثقة من الناس، ولو أنه قال بذلك لجادلناه حول ذلك، فقد كنا دائماً أكثر الناس له جدلاً. ولكن د. الترابي يريد التأكيد على كفاءة المرأة للصلاة مفردة وفي جماعة، ولو كانت الجماعة تضم رجالاً ونساء فأمر الصلاة لا إلى النوع وإنما إلى القراءة والفقه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!