الإسلام المنشود … والإسلام المرفوض (5) … “د. أمين حسن عمر”

يدون أكثر الناس تاريخ الحركة السلفية المعاصرة بالرجعى إلى ابن تيمية وكذلك فإن جمهور السلفيين يعتبرونه شيخهم الأكبر بيد أن ذلك إن يكن صحيحا فهو ليس بالحكم الدقيق،ذلكم أن لإبن تيمية آراء مخالفة لما عليه حال جمهور السلفيين اليوم فى مسائل عديدة ، وإن وافقهم فى أموريعتبرونها جوهرية، وبخاصة فى الموقف من الكلام والشيعة الرافضة وبدع بعض أهل التصوف.وقد كان أحمد بن تيمية ممن ملأ الدنيا وشغل الناس بحق وحقيقة فى حياة إستمرت بين الحبس والطلاقة والجهاد والتعليم والإفتاء والتأليف خمسين عاما ، منذ أن أذن له فى الفتيا وهو ابن سبعة عشر عاما. وقد كان زمانه عاصفا مثلما كانت حياته أعاصير ما تفتأ تهدأ حتى تثور ثائراتها من جديد . وابن تيمية هو من أعطى السلفية المعاصرة بوجهيها عند الإمام محمد عبده والإمام محمد بن عبد الوهاب جوهر أفكارها وقد تطورت سلفية محمد عبده لدى الأخوان المسلمين وتطورت أفكار محمد بن عبد الوهاب لدى حركة أنصار السنة وهما المدرستان الغالبتان بين أهل السنة فى الساحة العامة ،وكان بينهما تشابه فى الأصول وتوافق إلى عهد قريب.
ابن تيمية والحركة السلفية:
جوهر الحركة السلفية يعود إلى الدعوة الإحيائية المتمثلة فى العودة إلى الأصلين القرآن والسنة على طريقة التابعين بإحسان فى القرون الثلاثة الأولى قبل تفشى الجدل والفتن. والفكرة الإحيائية سبق إليها كثيرون بيد أن صمود أحمد بن حنبل فى فتنة خلق القرآن جعله رمزا سياسياً لها ، ومن بعده حمل الحنابلة بشىء من التشدد لواء التصدى لما يرونه مخالفا للكتاب والسنة. وأما الإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية فقد نشأ فى بيت علم حنبلى وكان جده مجد الدين بن تيمية علماً بين علماء المذهب الحنبلى وله كتاب المنتقى فى أحاديث الاحكام الذى ألف الشوكانى كتابه نيل الأوطار فى شرحه وتفصيله.وقد ولد بن تيمية فى حران بوادى الفرات فى العام 661 ولكن أسرته إضطرت للهجرة لدمشق بعد إجتياح التتار للعراق وكان لوالده مجلس علم بالمدرسة السكرية و بالمسجد الأموى وقد خلف والده بعد وفاته وهو فى سن الثانية والعشرين من العمروكان شجاعا جدا غير هياب تشهد له مواجهاته مع غازان قائد التتار ثم جهاده مع الناصر قلاوون فى حربه للتتار. وكان ابن تيمية يرى أن جهاد الدفع فرض عين على كل قادر بخلاف جهاد الغزو الذى هو واجب كفائى. وكان هو من سافر إلى مصر وحرض السلطان على الخروج لمواجهة التتار فى الشام فى زمان كان الفزع من التتار يثقل أقدام الكماة من الرجال. وبعد إنحسار خطر التتار عن الشام شن ابن تيمية حملات على من ظاهرهم من الفرق الشيعية الغالية مثل الأحمدية التى هى فرقة من فرق الإسماعيلية الباطنية والحاكمية والنصيرية.وغالب فتاواه حول من يسميهم الرافضة إنما تتناول هؤلاء ولا تتناول سائر جماعات الشيعة من غير الجماعات الغالية. ولربما يرد غالب السلفيين أصول مذهبهم للعقيدة الواسطية التى دونها ابن تيمية وأثارت جدلاً كبيراً لمخالفتها فى التفصيل للرائج من العقيدة الأشعرية وحتى للسائد من آراء لدى الحنابلة فى زمانه. وكانت الشام فى ذلك الزمان تحت السلطان المملوكى فى القاهرة والذى بعث أمرا بعقد مجلس للمناظرة مع ابن تيمية بتحريض من شيوخ المذاهب بمصر. وجرى عقد المجلس للبحث فى العقيدة الواسطية واستمرالحوار لأيام ثلاثة مع طائفة من العلماء وإنتهى إلى إقرار السلطان فى رسالة بعثها لواليه (إنا كنا رسمنا بعقد مجلس للشيخ تقى الدين ابن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف، وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه). وهكذا أعتبرت الواسطية مذهباً مقبولاً من مذاهب السلف لفهم العقيدة مهما كان للأشاعرة عليها من ملاحظات ، بيد أن ابن تيمية مالبث أن أستدعى للقاهرة بعد أشهر وعقد له مجلس آخر امتنع فيه عن المناظرة عندما علم أن خصومه هم حكام المجلس . وإنتهى المجلس به إلى الحبس وتكرر عقد المجالس له ليعود عن بعض ماورد فى العقيدة مما يخالف السائد من الفهوم، إلا أنه أمتنع عن الحضور والمناظرة . فقضى عاما ونصف العام فى محبسه ذاك ثم أخرج ليواصل التدريس والتأليف بهمة ونشاط مضاعف.
وكانت معركته التالية بعد العلماء مع متفلسفة المتصوفة وبخاصة من عدهم من أهل فلسفة الحلول والإتحاد ومنهم ابن سبعين والقونوى وآخرين وكان ينتقد ابن عربى فيما شاع عنه من مقولات غامضة ، ومرة أخرى عقد له مجلس مناظرة معهم كان فيه هو من نال الموافقة الأكبر. وكان له مناظرات ومكاتبات مع الصوفية المعتدلين من أمثال ابن عطاء الله السكندرى حول الإستغاثة بغير الله والتوسل وشطحات الصوفية ومبالغتهم . وقد أدت هذه المناظرات والجدل المثار حولها إلى سجنه مرة أخرى ثم أطلق سراحه ثم حبس مرة أخرى بالإسكندرية ثم أطلق سراحه وقضى سنوات فى التدريس بين مصر والشام، ثم كانت معركته مع الفقهاء حول مسألة طلاق الثلاثة التى خالف فيها رأى الجمهور بإمضائه ، فحبس مرة أخرى بالشام ثم أعتقل بحجة فتوى حُرفت له عن زيارة قبور الصالحين والأنبياء . وظل فى محبسه إلى حين وفاته والتى حدثت فى ذى القعدة من سنة 728 هجرية بعد أن كانت صودرت أدواته للكتابة وحجبت عنه الكتب وصودرت مخطوطاته فى شهر رجب من ذات العام. ولربما كان حبسه الطويل محنة له ومنحة للأمة فقد ذكروا أن ما كتبه ودونه بلغ ستين مجلدا وأربعة عشرة ربطة من الكراريس. وهكذا تنبيك هذه العجالة من سيرته كيف كانت سيرته وكيف كان تصميمه وعزمه على الرأى الذى يرى . وقد وجد تعظيماً وأجلالاً من خصومه وأنصاره على حد سواء . وخرج فى تشييعه ما فاق المائة ألف مشيع فتذكر المتذكرون جنازة أحمد بن حنبل ومقولته للمعتصم بيننا وبين أهل البدع الجنائز فقتل المعتصم ولم يشيعه أحد ودفن خفية، وشيع أحمد عند وفاته مئات الالاف من الناس . وقد دون ابن تيمية عشرات الكتب فى كافة أبواب العلم وكان ضليعاً فى الفقه وأصوله تمتاز كتاباته بمرونة واسعة تخالف شدته المعلومة فى مسائل العقيدة وبخاصة ما يعده من البدع مثل الاستغاثة والتوسل وشد الرحال لزيارة القبور. وكان شديداً على غلاة الشيعة لكنه لايكفر منهم إلا من ثبت كفره عنده بدليل. وكان حديثه عن صفات الرافضة منصرفا إلى من ظاهر بغاة التتار من الباطنيين والنصيريين بالشام . وكان شديداً كذلك على مبتدعة الصوفية ولكنه كان يشهد للمعتدلين منهم بالفضل ولربما يفيد ههنا إيراد محادثة ابن تيمية وابن عطاء الله السكندرى لتوضيح وجوه الاتفاق والخلاف وطرائق المناظرة وحسن الخطاب
مجلس ابن تيمية وابن عطاء الله السكندرى:
نقل ابن كثير وهو تلميذ من تلاميذ ابن تيمية كما روى ابن الأثير كذلك وهو من أصحاب الطبقات والسير الصحيحة هذه المناظرة التاريخية العظيمة بين شيخ الاسلام ابن تيمية وشيخ السجادة الصوفية فى زمانه ابن عطاء الله السكندرى
وكان الشيخ ابن تيمية منفياً بالاسكندرية ، ثم عفا عنه السلطان فجاء إلى القاهرة وذهب ليصلي المغرب بالأزهر خلف الشيخ أحمد ابن عطاء الله السكندري رضي لله عنه ، وبعد صلاة المغرب فوجئ به ابن عطاء الله رضي الله عنه يصلي خلفه فهنأه بسلامة الوصول وقال له أعاتب أنت عليّ يا فقيه ؟
فقال ابن تيمية أعرف أنك ما تعمدت إيذائي ولكنه الخلاف في الرأي ، على أن كل من آذاني فهو منذ اليوم في حل مني . فقال ابن عطاء الله ماذا تعرف عني يا شيخ أحمد ابن تيمية؟
فقال ابن تيمية أعرف عنك الورع وغزارة العلم وحدة الذهن وصدق القول وأشهد أني ما رأيت مثلك في مصر ولا في الشام حباً لله أو فناء فيه أو انصياعاً لأوامره ونواهيه ولكنه الخلاف في الرأي . فماذا تعرف عني أنت هل تدعي عليّ بالضلال إذ أنكرت الاستغاثة بغير الله؟
قال ابن عطاء الله له أما آن لك يا فقيه أن تعرف أن الاستغاثة هي الوسيلة والشفاعة وإن الرسول يُستغاث به ويُتوسل به و يُستشفع به ؟ فقال ابن تيمية أنا في هذا أتبع السنة الشريفة فقد جاء في الحديث الصحيح « أعطيت الشفاعة « وقد أجمعت الآثار في تفسير الآية الكريمة ( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) على أن المقام المحمود هو الشفاعة والرسول صلى الله عليه وسلم لما ماتت أم سيدنا علي رضي الله عنهما دعا لها الله على قبرها : « الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين « فهذه هي الشفاعة أما الاستغاثة ففيها شبهة الشرك بالله تعالى ، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن العباس ألا يستعين بغير الله . فقال له ابن عطاء الله رضي الله عنه أصلحك الله يا فقيه أما نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقد أراد منه أن يتقرب إلى الله بعلمه لا بقرابته من الرسول وأما فهمك أن الاستغاثة إستغاثة بغير الله فهي شرك، فمن من المسلمين الذين يؤمنون بالله ورسوله يحسب أن غيره تعالى يقضي ويقدر ويثيب ويعاقب؟
فما هي إلا ألفاظ لا تؤخذ على ظاهرها ولا خوف من الشرك لنسد إليه الذريعة فكل من إستغاث الرسول فهو إنما يستشفع به عند الله مثلما تقول أنت أشبعني هذا الطعام فهل الطعام هو الذي أشبعك أم الله عز وجل هو الذي أشبعك بالطعام ، وأما قولك إن الله عز وجل نهانا أن ندعو غيره فهل رأيت من المسلمين أحداً يدعو غير الله إنما نزلت هذه الآية في المشركين الذين كانوا يدعون آلهتهم من دون الله إنما يستغيث المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بحقه عند الله والتشفع بما رزقه الله من شفاعة أما تحريمك الاستغاثة لأنها ذريعة إلى الشرك فإنك كمن أفتى بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى الخمر أو نخصي الذكور غير المتزوجين سداً للذريعة إلى الزنا وضحك الشيخان. ثم قال ابن عطاء الله رضي الله عنه وأنا أعلم ما في مذهب شيخكم الإمام أحمد من سعة وما لنظرك الفقهي من إحاطة وسد الذرائع ويتعين على من هو في مثل حذقك وحدة ذهنك وعلمك باللغة أن يبحث عن المعاني المكنونة الخفية وراء ظاهر الكلمات فالمعنى الصوفي روح والكلمة جسد فاستقصِ ما وراء الجسد لتدرك حقيقة الروح.:
ثم قال ابن عطاء الله رضي الله عنه ثم إنك إعتمدت في حكمك على نصوص قد دسها على ابن عربى خصومه ، أما سلطان العلماء العز بن عبد السلام فإنه لما فهم كتابات الشيخ وحل رموزها وأسرارها وأدرك إيحاءاتها استغفر الله عما سلف منه وأقر بأن محيي الدين بن عربي إمام من أئمة الإسلام وأما كلام الشاذلي ضد ابن عربي فليس أبو الحسن هو الذي قاله بل أحد تلامذته من الشاذلية وهو ما قاله في الشيخ ابن عربي بل قاله في بعض المريدين الذين فهموا كلامه على غير وجهه.
ثم قال ابن عطاء الله رضي الله عنه وما رأيك في أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه؟
أجاب ابن تيمية رحمه الله : يقول النبي صلى الله عليه وسلم « أنا مدينة العلم وعلي بابها «وهو المجاهد الذي لم يبارز أحداً إلا وغلبه فمن للعلماء والفقهاء من بعده أن يجاهدوا في سبيل الله باللسان والقلم والسيف جميعاً وكان رضي الله عنه أقضى الصحابة وكلماته سراج منير.
فقال ابن عطاء الله رضي الله عنه له فهل يُسأل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن بعض من شايعوه فقالوا إن جبريل أخطأ فجاء بالرسالة محمداً صلى الله عليه وسلم بدلاً من علي رضي الله عنه أو عن الذين زعموا أن الله حلّ في جسده فصار الإمام إلهاً ألم يقاتلهم ويقتلهم ؟أما أفتى بقتلهم أينما ثقفوا ؟. فقال ابن تيمية رحمه الله ولذلك خرجت لقتالهم في الجبل بالشام منذ أكثر من عشرة أعوام.
وأستمر ابن عطاء الله رضي الله عنه رحمه الله يسأل ابن تيمية عما فعله بعض أتباعه من كبس الدور وإراقة الخمور وضرب المغنيات والراقصات فى البيوت واعتراض الناس في الطرقات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما أفتى رضي الله عنه بتعزيز هؤلاء فجلدوا وسجنوا وطيف بهم مقلوبين على ظهور الحمير أم هل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه مسؤول عن تلك الأعمال التي ما زال الحنابلة يأتونها حتى يومنا هذا باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ فكذلك الشيخ محي الدين بن عربي بريء مما يصنعه أتباعه من إسقاط التكاليف الدينية واقتراف المحرمات أترى هذا ؟ فقال ابن تيمية ولكن أين تذهبون من الله وفيكم من يزعم أنه صلى الله عليه وسلم بشر الفقراء بأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء فسقط الفقراء منجذبين ومزقوا ملابسهم وعندئذ نزل سيدنا جبريل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يطلب حظه من هذه المزق فحمل جبريل واحدة منها وعلقها على عرشه تعالى ولهذا يلبس الصوفية المرقعات ويسمون أنفسهم الفقراء. فقال ابن عطاء الله رضي الله عنه ما كل الصوفية يلبسون الخرق وهذا أنا أمامك فما تنكر من هيئتي فقال ابن تيمية رحمه الله : أنت من رجال الشريعة وصاحب حلقة في الأزهر
قال ابن عطاء الله رضي الله عنه : والغزالي كان إماماً في الشريعة والتصوف على السواء ،
وقد عالج الأحكام والسنن والشريعة بروح المتصوف وبهذا المنهج استطاع إحياء علوم الدين
نحن نعلّم الصوفية أن القذارة ليست من الدين وأن النظافة من الإيمان وأن الصوفي الصادق يجب أن يعمّر قلبه بالإيمان الذي عرفه أهل السنة ولقد ظهر بين الصوفية منذ قرنين من الزمان أشياء كالتي تنكرها الآن واستخفوا بأداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات وادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال ثم لم يركضوا بما تعاطوه من سوء الأفعال حتى أشاروا إلى الحقائق والأحوال كما وصفهم القشيري الإمام الصوفي العظيم فوجه إليهم الرسالة القشيرية ترسم طريق الصوفي إلى الله وهي تمسكه بالكتاب والسنة
ثم قال ابن عطاء الله رضي الله عنه مبيناً حقيقة التصوف : إن أئمة الصوفية يريدون الوصول إلى الحقيقة ليس فقط بالأدلة العقلية التي تقبل العكس بل بصفاء القلب ورياضة النفس وطرح الهموم الدنيوية فلا ينشغل العبد بغير حب الله ورسوله وهذا الانشغال السامي يجعله عبداً صالحاً جديراً بعمارة الأرض وإصلاح ما أفسده حب المال والحرص على الجاه والجهاد، ثم قال ابن عطاء الله رضي الله عنه إن الأخذ بظاهر المعنى يوقع في الغلط أحياناً يا فقيه ومن هذا رأيك في ابن عربي رحمه الله وهو إمام ورع من أئمة الدين فقد فهمت ما كتبه على ظاهره والصوفية أصحاب إشارات وشطحات روحية ولكلماتهم أسرار.
فقال ابن تيمية رحمه الله هذا الكلام عليك لا لك فالقشيري لما رأى أتباعه يضلون الطريق قام عليهم ليصلحهم فماذا فعل شيوخ الصوفية في زماننا إنما أريد من الصوفية أن يسيروا على سنة هذا السلف العظيم من زهاد الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، إني أقدر منهم من يفعل ذلك وأراه من أئمة الدين أما الابتداع وإدخال أفكار الوثنيين من فلاسفة اليونان وبوذية الهند كادعاء الحلول والإتحاد ووحدة الوجود ونحو ذلك مما يدعو إليه صاحبك فهذا هو الكفر المبين
قال ابن عطاء الله رضي الله عنه ابن عربي رضي الله عنه كان من أكبر فقهاء الظاهر بعد ابن حزم الفقيه الأندلسي المقرب إليكم يا معشر الحنابلة كان ابن عربي ظاهرياً ولكنه يسلك إلى الحقيقة طريق الباطن أي تطهير الباطن وليس كل أهل الباطن سواء ، ولكيلا تضل أو تنسى أعد قراءة ابن عربي رضي الله عنه بفهم جديد لرموزه وإيحاءاته تجده مثل القشيري قد اتخذ طريقة إلى التصوف في ظل ظليل من الكتاب والسنة. إنه مثل حجة الإسلام الشيخ الغزالي رضي الله عنه يحمل على الخلافات المذهبية في العقائد والعبادات ويعتبرها إنشغالات بما لا جدوى منه ويدعو إلى أن محبة الله هي طريقة العابد في الإيمان فماذا تنكر من هذا يا فقيه ؟ أم أنك تحب الجدل الذي يمزق أهل الفقه لقد كان الإمام مالك رضي الله عنه يحذر من الجدل في العقائد ويقول : كلما جاء رجل أجدل من رجل نقص الدين . قال الغزالي رضي الله عنه : أعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن ولست أعني بالقلب اللحم المحسوس بل هو سر من أسرار الله عز وجل لا يدركه الحس . إن أهل السنة هم الذين لقبوا الغزالي ( شيخ المتصوفة ) بحجة الإسلام ولا معقب على آرائه فقد غالى بعضهم في تقدير كتابه إحياء علوم الدين فقال : كاد الإحياء أن يكون قرآناً
إن أداء التكاليف الشرعية في رأي ابن عربي وابن الفارض رضي الله عنهما عبادة محرابها الباطن لا شعائر ظاهرية فما جدوى قيامك وقعودك في الصلاة إذا كنت مشغول القلب بغير الله مدح الله عز وجل أقواماً بقوله تعالى ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) وذم أقواماً بقوله تعالى ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وهذا الذي يعنيه ابن عربي رضي الله عنه بقوله إن التعبد محرابه القلب أي الباطن لا الظاهر ، إن المسلم لا يستطيع أن يصل إلى إدراك علم اليقين وعين اليقين إلا إذا أفرغ قلبه مما يشوش عليه من أطماع الحياة الدنيا وركز في التأمل الباطني فغمرته فيوض الحقيقة ومن هنا تنبع قوته
فالصوفي الحق ليس هو الذي يستجدي قوته ويتكفف الناس وإنما هو الصادق الذي يهب روحه وقلبه ويفنى في الله بطاعة الله ومن هنا تنبع قوته فلا يخالف غير الله ولعل ابن عربي رضي الله عنه قد ثار عليه بعض الفقهاء لأنه أزرى على اهتمامهم بالجدل في العقائد مما يشوش على صفاء القلب ثم في وقوع الفقه وافتراضاته فأسماهم : فقهاء الحيض . أعيذك بالله أن تكون منهم ألم تقرأ قول ابن عربي:
من يبني إيمانه بالبراهين والاستدلالات فقط لا يمكن الوثوق بإيمانه فهو يتأثر بالاعتراضات فاليقين لا يستنبط بأدلة العقل إنما يغترف من أعماق القلب . ألم تقرأ هذا الكلام الصافي العذب قط ؟
قال ابن تيمية رحمه الله أحسنت والله إن كان صاحبك كما تقول فهو أبعد الناس عن الكفر ولكن كلامه لا يحمل هذه المعاني فيما أرى.
فقال ابن عطاء الله رضي الله عنه إن له لغة خاصة وهي مليئة بالإشارات والرموز والإيحاءات والأسرار والشطحات .
ولكن فلنشتغل بما هو أجدى وبما يحقق مصلحة الأمة فلنشتغل بدفع الظلم وحماية العدل المنتهك . أرأيت ما فعله الفاسقان بيبرس وسلار ، بالرعية منذ خلع الناصر نفسه فانفردا بالحكم وإن عاد السلطان الناصر وهو يؤثرك على كل الفقهاء ويستمع لك فأسرع إليه وانصح له.
وهكذا تنبيك هذه المجادلة أن شيخ الاسلام لم يكن متشددا بل كان شديداً على ما يعده باطلاً أو بدعة أو خروجاً على نهج السلف الأول الصالح فى مقاربة المسائل ومعالجة المشاكل فمن أراد أن يتخذه شيخا فليقتد بسماحته وصبره على أيذاء الخصوم وحسن تأدبه فى الخطاب وكلها أمور تعظم الفجيعة فيها فى أيامنا هذه التى يزعم الزاعمون فيها أنهم يقتدون بالسالفين الصالحين رضى الله عنهم أجمعين .
نواصل
د. أمين حسن عمر

مقالات د. امين حسن عمر>>

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!