الحكومة الإليكترونية …كي ما تعود الحكومة خادماً … “د. أمين حسن عمر”

هذا حديث مستعاد عن أهمية إصلاح الخدمة المدنية لا من خلال إعادة إنتاجها بل من خلال تجاوزها بالكامل لفلسفة جديدة ونمط جديد للإداء يقوم على الأتمتة التامة للخدمات الحكومية .هذه الأتمتة التى لو لم يكن من ثمارها إلا إثنتان لكفى.. احداهما سرعة الاداء وكفاءته ، والثانية مكافحة الفساد والإهدار. والمحسوبية والفساد وتعطيل المصالح وحجبها هى آفة الآفات فى كل خدمة عامة مدنية أو غير مدنية.
الخدمة المدنية.. الرؤية والمهمة:ـالخدمة المدنية.. الرؤية والمهمة:ـلابد من رؤية فاحصة للخدمة المدنية ما هى وما هي مهماتها ومقاصدها وغايتها؟ لقد تأسست الخدمة المدنية على عهد الاستعمار على رؤية محددة وواضحة لما يُراد لها ومن يُراد منها. فقد أراد لها المستعمرون أن تكون محدودة العدد محدودة المهام. و أن تنهض على فكرة ضبط المواطن والإحاطة به أكثر من فكرة تقديم الخدمات اليه. وهي فكرة مخالفة تماماً لفلسفة الخدمة المدنية في بريطانيا وغيرها من الدول المُستعمرة والتي أنشأت الخدمة المدنية فيها لتنظيم حراك المواطنين بما يتيح حركية أسرع في الانتاج والانجاز . فالاصل هنالك هو شعار «دعه يعمل دعه يمر» واما القاعدة هنا فلا حركة ولا حراك الا باذن ورخصة. فعلى عهد سالفة الذكر الادارة الاستعمارية فحتى ركوب الحمار كان يحتاج لرخصة من الجهات المالكة لزمام كل حركة في الحياة العامة. والخدمة المدنية في الغرب إنما جعلت وسيلة لتقديم الخدمات للمواطنين ولكي تكون وسيطاً فاعلاً بين الحكومة والمواطن في ارساء السياسات وإنفاذ التشريعات. والإصلاح الأكبر للخدمة المدنية اليوم سواء على المستوى الولائي أو الاتحادي هو اعتناق عقيدة مدنية جديدة للخدمة المدنية. تعيد إليها وضعها خادمة للمجتمع لا آمرة متأمرة عليه، و تجعلها أشبه بكاسحة العوائق والصعوبات عن طريق المواطن، ليتمكن من المرور الآمن السريع لتجسيد أفكاره وتحقيق أهدافه. وهذا يعني أنها يجب أن لا تشبع على حساب دافع الضريبة ولاتسمن على هزاله. وألا تستقوي عليه بنفوذها وسلطانها ،بل أن تستخدم ما أوتيت من سلطان وتمكين لتسهيل حركته وتيسير مروره وتأمين حقوقه وتحصيل مصالحه. وهذا يعني أول ما يعني أن لا تنشأ الوظائف في الخدمة المدنية لتشغيل العاطلين ، بل لخدمة المواطنين ولا تزال ثقافة تشغيل العاطلين هى الثقافة السائدة ،فإيجاد وظيفة لشخص ما تعلو فى الإعتبار على مناسبة هذا الشخص لإداء مطلوب تلكم الوظيفة .ولابد من تصحيح هذا الوضع بجعل توفير الخدمة وتقديمها للمواطنين أولى فى الإعتبار من تشغيل فرد ما مهما تمس حاجته للعمل ، فالعمل الحكومى ليس ولا يجب أن يكون باباً للرزق إلا للقليل من أُولى الأهلية لخدمة المجتمع وتقديم عوائد عادلة لما يدفع من ضرائب ومن مكوس. ويجب الاقتصاد فى إنشاء الوظائف الحكومية، فلا تنشأ وظيفة إلا إذا مست الحاجة إلى انشائها مع تحديد مهمتها بكل دقة، وتأهيل شاغلها للاضطلاع بهذه المهمة. وهذا يعني عدة أشياء:ـأولها الاستيعاب الأمين النزيه للوظائف بلا محاباة ولا محسوبية. والمحسوبية داء عضال يقتات من ثقافة مجتمع تزدهر فيه المجاملة ، وإيثار أولي القربى على أولي الصحبة وأولي الصحبة على الغرباء. والمحسوبية غالبها مُظاهرةٌ وموالاة للأقرباء وللمعارف. ولكن شقاً منها ليس بالقليل مظاهرة للأولياء السياسيين أو حتى غير السياسيين. ومحاربة المحسوبية تقتضي أن نسميها باسمها الصحيح خيانة لأمانة التولية. فمن ولي فرداً وهو يعلم من هو أفضل منه فقد خان الأمانة وأستحق الملامة. ولن يكفى لمحاربة المحسوبية أن نذكر الناس بأنها ظلمٌ بينٌ ، ولكن لابد لنا من سن التشريعات، واتخاذ التحوطات التي تسد منافذ المحسوبية، فللعالم تجارب يمكننا الإستظهار بها في إطار منظومة شاملة لتعزيز النزاهة العامة في الحياة العامة. ولقد أنشأت الدولة مفوضية مستقلة للخدمة المدنية ومن تتبعى لما تقوم به فإنها تستحق حمداً كثيراً وتشجيعاً ودعماً أكثر ،فهى قد شرعت فى أتمتت المسابقات والإمتحانات بحيث يعرف الممتحن نتيجه إختباره إليكترونياً ، ولكن هذا شوط لابد له أن يستكمل بإعتماد نظام المطابقة الإليكترونية حتى فى مستوى المعاينات . وفى حال إستبعاد مرشح لعلة أخرى لا تتصل بالكفاية والمناسبة فيتوجب إطلاعه على تلكم العلة ،سواء كانت ترتبط بالصحة العامة أو الإعتبارات الأمنية. ويجب على التشريع أن ينص على ذلك وأن يضمنه فكل الناس يستحق حكماً عادلاً.بناء القدرات لتقديم الخدمات: والأمر الثاني الذي يلي الاختيار الأوفق للفرد المناسب للمهمة هو الإعداد الأولى للمستقطب من خلال التعريف النظري بالوظيفة ،ثم التدريب العملى علي الوظيفة إثناء ممارسة الآخرين لها on the job training ثم خطة مرسومة لبناء القدرات عبر مراحل الترقي المختلفة. وثالث الأمور هيكل مرن فاعل ومتفاعل قادر علي انجاز المهمات بشكل متسق ومتناسق ومنسجم. ورابعاً تدريب أصحاب الوظائف علي التفكير الإيجابي المبادر والسلوك المتواضع المتعاطف مع المواطنين. ولقد كان من دأب قدامي كبار الموظفين أن يمهروا رسائلهم لمن يراسلون من الناس سواء علوا فوقهم أم أتضعوامن تحتهم، ب«خادمكم المخلص أو خادمكم المطيع ». ولعل ذلك بعض ما يبذل لترويض النفس علي التواضع وإن علا بها المقام أو المنصب . خامساً من المعلوم أن جزءاً من وظيفة الخدمة المدنية هي وظيفة تنظيمية regulative . ولذلك يتوجب تدريب خُدام الشعب علي أن مهمتهم التنظيمية هي مثل مهمة رجل المرور لتسريع حركة المرور لا إعاقتها كما تجب المحاسبة الصارمة لكل سلوك يؤدي إلي تعقيد أو تأخير معاملات المواطن. وتعقيد الأداء منشؤه إجراءات متزيدة لا طائل من ورائها ، وكذلكم سلوك إدارى متغطرس متعجرف هو أقرب لإظهار القدرة والسلطة منه لأداء الأمانة وتقديم الخدمة وتسهيل المهمة. ونحن في السودان اليوم نعيش واقع حكومة فيدرالية اتحادية . ما يعني أن غالب الخدمات التي تقدم مباشرة للشعب صارت من مهام الخدمة المدنية في الولايات. ولذلك فان الحديث عن اصلاح الخدمة المدنية يعني اكثر ما يعني هو إصلاحها في الولايات ،ولا يستثني هذا الحكومة الاتحادية . والخدمة على المستوى القومى الأعلى والتي ضمرت بالحكم الاتحادي يتوجب عليها ان تضمر اكثر بالتفسح لحكومات الولايات ،وبتحويل كثير من المهمات للقطاع الخاص وللمجتمع المدني . وتحويل الحكومة الي مهمة التنسيق والتنظيم ليكون ذلك هو جوهر العمل الحكومي على المستوى القومى . فتصبح الحكومة منظماً للنشاط لا مُشغلاً له Regulator not operator . ولا شك أن الاتجاه العام يمضي الي ذلك المسار، ولكنه لا يمضى بغير مقاومة تتأبي علي التكيف مع الرؤي الجديدة والمتغيرات المتبدلة. واصلاح الخدمة المدنية يعني المزيد من الحرية والكفاءة المؤسسية . بيد أنه يعني في ذات الوقت المزيد من التنسيق والتفاعل و تكامل الأدوار في خدمة رؤية إستراتيجية تبدو واضحة للجميع. ويتضح لكل مؤسسة دورها في انفاذها. ولعله من حسن الطالع ان فرصة سانحة عظيمة تتاح الآن لانجاز تفاعلية سريعة ، وتحقيق الاتساق والتنسيق بقدر لم يكن متصوراً من قبل. وذلك من خلال اغتنام فرصة تكنولوجيا المعلومات . تلكم التي تطورت الآن الي مرحلة الإدارة بالمعرفة ، حيث يحصد الناس ثمرة ذلك سرعة في الانجاز وكفاءة في الاداء ، واقتصاداً في المدخلات وتعظيماً للفوائد. ومما يفعم النفس بالسعادة ان الإستظهار بتطبيقات ما عاد يعرف اليوم بالحكومة الاليكترونية أصبح في متناول الجميع بغير مال كثير ولا جهد جهيد . ثم أن هذه التطبيقات يمكن ان تتنزل علي الأداء الحكومي تدرجاً في إطار خطة زمنية معلومة متسارعة لاكمال تطبيقاتها بقدر الحاجة اليها. ولقد دار ويدور حديث كثير عن الحكومة الاليكترونية ، ولعل المناسبة سنحت للإشادة الكبيرة بما قامت به وتقوم وزارة الإتصالات ومؤسساتها التابعة لها فى قطاعى الإتصالات والمعلوماتية ،فقد أبصر الناس بأنفسهم كيف أنه بعد تطبيق التحصيل الإليكترونى زادت الإيرادات العامة من الجمارك ومن الضرائب رغم عدم إتساع الماعون الضريبى بعد ،وكذلك يرى الناس ثمرات التقديم الإليكترونى للقبول وللإلتحاق بالخدمة العامة أيسر.
الحكومة الالكترونية.. ما هي:ـأقصر تعريف للحكومة الاليكترونية أنها هي الحكومة الافتراضية التي تهدف الي تحقيق تواصل وثيق مع المواطنين . وتهدف الي تقديم الخدمات الحكومية لهم على اختلافها عبر الوسائط الاليكترونية والأدوات التقنية. وأهمها شبكة الانترنت ووسائط الاتصالات المختلفة وأهمها الهواتف المتنقلة. وهي بهذا المعنى ليست بديلاً للحكومة الحقيقية ولكنها «انترفيس» وجه آخر للحكومة الحقيقية. تنوب عنها في تحقيق الاتصال وتقديم الخدمات بكفاءة ليس لها نظير في الحكومة العادية. وأهم اهدافها هي تحقيق تواصل كثيف وفاعل مع المواطنين لتقديم المعلومات لهم ، وبناء شراكة فاعلة معهم في ادارة الشأن العام وتعزيز الديمقراطية. وهذه الشراكة سيكون نفعها الأكبر القضاء على الداء الأخطر للخدمة المدنية وهو الفساد . فإن الضوء الباهر الناجم عن توفر المعلومات لا يُتيح للسُراق أن يعسوا في ظلمات غياب الشفافية ليسرقوا مال الشعب. وكما أن الحكومة الاليكترونية حصانة ضد الفساد، فهي ايضاً وسيلة لتقليل النفقات ورفع التكلفة الباهظة عن كاهل المواطنين. فمن المعلوم أن مكأفآت ورواتب العاملين بالخدمة العامة تبلغ نسبة عالية من مصروفات الدولة . والحكومة الاليكترونية بامكانها قلب هذه المعادلة لتذهب النسبة الأقل للرواتب والمخصصات وتذهب النسبة الأكبر للخدمات التي من أجلها أستُحدثت الوظائف والمناصب. وكما أن خدمات الحكومة الاليكترونية زهيدة فإنها غاية في الجودة. وهي لا تعرف التمييز بين طالبى الخدمات ولا تعرف المجاملة ولا المحسوبية . فالجميع يضغط على ذات الأزرار ليتحصل على النتيجة نفسها. وأهم ما يكسبه الناس منها ليس المال بل هو الزمن. وما المال إلا ثمرة الكد في الزمن. واكبر تضييع للمال هو تضييع الزمن . والحكومة الاليكترونية ستعيد المعادلة الصحيحة لتجعل الحكومة خادماً يسعى للمواطن بخلاف الحال الراهن حيث يسعى المواطن لينال حقه فلا يناله إلا بالجهد الجهيد، وربما يناله ناقصاً غير كامل ، وربما عاد بالخيبة والندم. كذلك فان الحكومة الاليكترونية سوف تدعم النشاط الاقتصادي والاستثماري كما لم يحدث من قبل ، وذلك عبر تسريع الاتصال وتبسيط الإجراء وإبعاد الوسطاء ، لتمضي الدورة الاقتصادية في سلاسة وسهولة ويسر. وتموت اثناء ذلك كثير من ألوان الرشوة والعمولات والفوائد التي لا تدفع إلا من مال الشعب بصورة غير مباشرة. لأن كل ذلك يعود ليصبح جزءاً من تكلفة السلع والخدمات. وتوفر المعلومات بصورة هائلة عبر وسائط الحكومة الاليكترونية سيتيح فرصاً واسعة لجذب الاستثمارات وتطوير السياحة ورفع الكفاءة المؤسسية للأداء وتحقيق التنسيق الكامل بين مؤسسات الحكومة. فلا يستطيع متهرب من الضريبة أن يفلت منها بالتحايل أو الرشوة . ولا يستطيع أحد أن يحُول مجري الرسم الحكومي من العام إلي الخاص.الحكومة الاليكترونية.. الموقف الآن:ـظل الحديث يدور ويتصاعد عن الحكومة الاليكترونية في السودان منذ نحو عقد من الزمان . ولم يأت العمل قوياً قوة القول إلا مؤخراً. فقد تسارع المضي فى هذا السبيل بنشاط ملحوظ ومحمود من وزارة الاتصالات والمعلوماتية . بيد أننا مهما سارعنا في السعي بإتجاه الحكومة الاليكترونية فقد أضعنا موقعنا في طليعة الساعين لتحقيقها. فقد سبقت الى تطبيقاتها حتى الآن ثلاث حكومات عربية. والسودان رغم ما يتميز به من شبكة اتصالات وبنية تحتية تفوق غالب تلك الحكومات العربية لا يزال في مرحلة غير متقدمة كما يرتجى في التطبيق العملي للحكومة الاليكترونية. ولئن كانت الحكومة متمثلة في وزارة الاتصالات قد انجزت الخطة الموجهة للحكومة الاليكترونية وبدأت في استكمال بعض البنيات الضرورية لجعل تطبيقاتها ممكنة وآمنة فتلك بداية جيدة جديرة بالإطراء ، وكذلكم فقد كانت تطبيقات التحصيل الإليكترونى مشجعة للغاية . و قد نالت وزارة الإتصالات جائزة عالمية تقديراً لنجاح التحصيل الإليكترونى. والتحصيل الاليكتروني لفائدة المستفهم هو منظومة متكاملة من النظم والبرامج الهادفة الى تسهيل إجراءات عمليات الدفع الاليكتروني بطريقه آمنة، و هي خدمة تهدف إلى توفير الوقت والجهد وتقليل النفقات وتسهيل الخدمة للعميل بوضعها في متناول يد العميل كما تسهل سرعة اتمام عملية الدفع، وقد أسهمت فكرة تطبيق نظام التحصيل الاليكتروني بالدولة فى تقليل نسبة التكاليف وتسهيل الإجراءات ، وخفض نسبة الازدحام في مراكز الدفع و التحصيل. وهو نظام آمن وسريع مقارنة بالوسائل التقليدية التي اصبحت غير موثوقة ومبددة للوقت والجهد. كذلكم فإن وسائل التحصيل التقليدية فى البيروقراطية المزمنة في جهاز الدولة، كما يشهد الناس تؤدي عادة إلى تأخير تحصيل الأموال في الخزينة العامة مما ينتج عنه أحيانا عدم ورود الأموال، أحياناً تسربها وتجنيبها لغير المصلحة العامة. وأما الدفع الإليكترونى فقد حقق مكاسب جمة أولها زيادة إيرادات الدولة، كما وأسهم فى محاربة الفساد وجذب الكتلة النقدية للمصارف. وهناك فوائد جانبية أخرى مثل تقليل تلف العملة وتقليل جرائم النشل والسرقة، وضمان وصول الأموال لمستحقيها فى مجال الدعم الاجتماعى وغيره ، وتقليل التكلفة لمتلقى الخدمة وتوفير الزمن له ثم كسب الزمن بتوفر الخدمة على مدى الأربع وعشرين ساعة وليس ساعات العمل النهارية فحسب. بيد أن الجهد التشريعي التنظيمي لايزال بطيئاً وخاصة في جوانب تحقيق الأمن الاليكتروني. كذلك فى مجال القواعد التنظيمية المالية التي يتوجب ان يضطلع بتشريعها بنك السودان ووزارة المالية. وأما الإعلام فهو الآخر متكاسل ومتثاقل إن لم يكن غافلاً أو متغافلا. وربما غير عالم ولا أقول «جاهل» بمغزى وفوائد تطبيقات الحكومة الالكترونية. وللإعلام دور أكبر من دور التعريف بالمشروع بل لابد من إستخدام الوسائط الاعلامية لتعريف الشعب بكيفية التعامل مع الوسائط الاليكترونية. وقد نحتاج الى حملة مشابهة للحملة الإعلامية التي صاحبت اجراء الانتخابات واجراء التعداد العام لتوعية المواطنين ورفع قدراتهم في التعامل مع الوسائط التقنية.الهاتف الذكي للمواطن الذكي:ـامتداداً للطالع الحسن الذي يلوح لتطوير الحكومة الكلاسيكية إلي حكومة اليكترونية فان التطور الكبير في الهواتف المتنقلة وبخاصة التطور السريع والانتشار المذهل للهواتف المتنقلة الذكية يؤذن بتحول كبير يجعل تطبيق الحكومة الاليكترونية أكبر وأنجع مما يؤمله الخبراء. فقدرة المواطنين إرتفعت كثيراً في التعامل مع الهواتف المتنقلة بصورة عامة ،وبخاصة الهواتف الذكية المشتملة علي خدمة الانترنت. وتطورت في بلاد مجاورة خدمات مذهلة عبر هذه الهواتف وأشهرها كينيا في استخدام الهواتف للمعاملات البنكية الالكترونية عبر نظام «النقد المتنقل». فقد أدخلت هذه الخدمة الملايين من الكينيين في مجال التعامل البنكي . وارتفعت نسبة المتعاملين مع البنوك من 15% وهي ذات النسبة الراهنة في السودان الي اكثر من 70% من السكان الراشدين في اقل من ثلاث سنوات . وأغرى النجاح الباهر للتوسع في ادخال خدمات الصحة الاليكترونية وخدمة التعليم الاليكترونية وغيرها في كينيا. وأهم الطرفيات المستخدمة في هذا التوسع هى الهواتف المتنقلة. والإحصاءات تدل على أن انتشار الهاتف المتنقل في السودان مساوٍ أو مقارب جداً لمستوى الانتشار في كينيا. كما ان البنية التحتية للاتصالات في السودان افضل. والسودان يأتي متقدماً في المرتبة في استخدام الانترنت على كينيا. كما انه يأتى متقدماً عليها اقتصادياً بمعايير الناتج الكلي الاجمالي وحصة المواطن في هذا الناتج الكلي الاجمالي. وكذلك فان مستويات التعليم الأولى والعالي افضل في السودان. وكل هذه ميزات تجعل نجاح السودان في ما نجحت فيه كينيا مرجحاً. الا أن التجربة الكينية أتسمت بالشجاعة في اتخاذ القرار وإنفاذه. والسرعة في انجاز التشريعات والقواعد الضابطة للمعاملات. وأما السودان فلا يزال فى مراحل التجريب الحذر. ولا تزال المؤسسات التي يتوجب عليها المسارعة في انجاز التشريعات تتلكأ في هذا السبيل. ولكي لا نغمط أهل الحق حقهم فقد تسارعت في العام الماضي خطى وزارة الاتصالات والبنك المركزى وبعض المصارف الأخرى لتحريك أمر الحكومة الاليكترونية. ولكن الفرصة أكبر من ذلك. ويقتضي الأمر رعاية رئاسية متصلة ،لأننا وان كنا نتحدث عن الجمهورية الثانية بوصفها الحكومة الأفضل، فان الحكومة الفضلي لن تتحقق الا بمزيد من الكفاءة والشفافية والتفاعل مع المواطن. وأقصر السبيل الى تحقيق ذلك هي الحكومة التي تدخل مع كل مواطن الى بيته بل الى جيبه في هاتفه المحمول. ومما يؤسف له أننا يصرفنا الشأن العاجل أحيانا عن الآجل المهم، ولذلك فإنها لم تكن خطوة موفقة ما أقدمت عليه وزارة المالية من زيادة لضريبة القيمة المضافة على الإتصالات، وتم ذلك فى وقت نريد أن نشجع المواطن على المزيد من التطبيقات الإليكترونية بإستخدام الهواتف، ولكن بعض أهل السياسات العامة يسيل منهم اللعاب على السيولة العاجلة ، فينسون أو يتناسون مقاصد ذات أولوية لإنجاز سريع لإستراتيجية الإصلاح والنهوض والتقدم.
د. أمين حسن عمر

مقالات د. امين حسن عمر>>

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!