الحركة الشعبية … نهاية الحكاية (1) … “د. أمين حسن عمر”

إعلان الرئيس ميارديت سلفاكير رئيس دولة جنوب السودان رغبته فى التنحى بعد تكاثف الضغوط المحلية والدولية عليه هل هو نهاية لحقبة سلفاكير أم هى نهاية الحكاية للحركة الشعبية؟ تلكم التى كما يقال ملأت الساحات وشغلت الناس لعقود طويلة فى السودان ولا يزال بعض أفرادها وثلة من زعمائها يحسبون أن سيكون لها أدوار وأوزان سواء كان فى جنوب السودان أو جمهورية السودان . ولا شك أن الإنكار هو أول ما يقابل به الإنسان الأخبار السيئة قبل أن يتهيأ للتسليم بها ومن ثم التأقلم مع الوقائع الجديدة التى تنشئها. والأحداث المتتالية الجسام التى هزت جنوب السودان من بداية تشكل دولته تتبلور الآن أمام المبصر والغافل فى خاتمة وبدايات جديدة وحكايات جديدة أما حكاية الحركة الشعبية فقد إنتهت.
الحركة الشعبية…
ماهى ؟كنت كتبت بضع مقالات قبل أسابيع من إنفصال جنوب السودان بعنوان دولة جنوب السودان الأفق المعتم وسوف أعود لأستلف مقاطع كثيرة من تلكم المقالات وأجملها ههنا . ذلكم أن المجريات قد صدقت النبؤات وقع الحافر بالحافر وحذو القذة بالقذة فقد قلت يومها أن ميلاد الدولة يجئ في ظروف عسيرة بالنظر الي تدهور الاوضاع الأمنية في الجنوب وبين الجنوب وشمال السودان. وتصاعد الخلافات السياسية مع القوي الجنوبية الأخري. وعدم تهيؤ الجنوب لتحمل المسؤولية الاقتصادية المترتبة علي الانفصال ، والتي تعني أول ما تعني الاستعداد لتوفير الطعام والاحتياجات الضرورية للمواطنين في الجنوب. وتوفير فرص عمل لمئات الألاف الذين نزحوا او هجُروا بواسطة الحركة الشعبية من شمال السودان دون تدبر في كيفية اكتسابهم لعيشهم في ظل انتقاء القدرة علي بناء اقتصاد كفائي او نقدي في الدولة الجديدة. أما عن الحركة الشعبية فقد قلت إنه مما يدخل في أبواب الكسل الفكري هو أخذ الأشياء علي معناها اللفظي الشكلي لا معناها الدلالي العملي. وقد اعتاد الناس أن يُعرفوا الحركة الشعبية لتحرير السودان بأنها حركة تمرد علي الدولة السودانية. تقاتل بدعم من قوي اقليمية ودولية لتخليق واقع مغاير بالكامل في الدولة السودانية لتصنع ما تسميه بالسودان الجديد أو هى تعمل علي اقتطاع الجزء الجنوبي منه ليكون هو ذلك السودان الجديد. بيد أن سعي جماعة مسلحة لتغيير الواقع السياسي في بلد من البلدان ليس بالشيء الجديد فهو أمر تجشمه كثيرون عبر الانشقاقات المتمردة أو الانقلابات أو حتي الغزو الأجنبي. ولكن ما يميز أية حركة تمرد او انقلاب عن الحركات الأخري هو الفكرة والقيادة. فالفكرة لابد أن تكون واضحة وملهمة . والقيادة لابد من أن تمتلك القدرة علي الاستقطاب والحشد والتوجيه. وبهذه المقاييس فان الحركة الشعبية تشكل تحدياً لمصنفها ومُعرفها. ذلك أنها حركة بلا أيدولوجية فكرية واضحة. فإن واقع الاعتراض علي سيرورة الامور بالدولة السودانية لا يحول ذلك الاعتراض الي فكرة بناءة. وقد كانت الحركة في أول شأنها يسيرة علي التصنيف. ذلك أنها وبحكم تحالفها مع نظام منقستو هيلا ماريام الماركسى قد تبنت «مانفستو» اعلاناً ايدولوجياً يصفها في مصاف الحركات اليسارية الماركسية. وبناء علي هذا الاعلان فقد وجدت تعاطفاً من دول المنظومة الاشتراكية علي الرغم من تحالف الحركة من جهة أخري مع مجموعة من الكنائس المتشددة . والتي تعتبر جنوب السودان نقطة تماس مع الزحف الاسلامي نحو افريقيا . ولأجل المانفستو الماركسى انفتحت فرص التكوين الأيدولوجي والتدريب العسكري للحركة في كوبا علي الخصوص. و التي أصبحت بمثابة المحضن الثوري الثاني للحركة بعد اثيوبيا. وهنالك تلقت كوادر عديدة من الكوادر الشابة تكوينها الفكري وتدريبها العسكري حتي قال باقان أموم في يوم من الأيام أن انتماءه لكوبا أكبر من انتمائه للسودان. لماذا لا اليس مقتضى الايدولوجية الماركسية «أن الدجي يرضع من ضؤ النجيمات البعيدة».بيد أن التحولات في الواقع الأقليمي والتي اضطرت الحركة الي اللجؤ الي كينيا والي التعويل علي دعم الكنائس المتشددة ومجموعات الضغط الأمريكية الأوربية ألقت بالمانفستو الماركسى الي ركن المزبلة القصى ولم يعد أحد من المتابعين أو المراقبين يسمع بذلك المانفستو وانما تحول الزعيم نفسه ليكون هو الفكرة . وأصبح كتاب «جون قرنق يتكلم» هو مصدر الأفكار للحركة . وصارت محاضرات القائد العسكري والزعيم السياسي للحركة التي صورت لتناسب التحالف الجديد هي الفكرة . وبذلك لم تعد الفكرة هي الاشتراكية العلمية الثورية وجرى استبدال التحليل الجدلي الماركسي الذي يقرر أن جوهر الصراع طبقي بفكرة التهميش التي تزعم أن جوهر الصراع أثني ثقافي . ولئن كان حل الاشكالية لدي الاشتراكيين العلميين هو توحيد قوة العمل وتمكين الطبقة العاملة فان الحل فى الفكرة الجديدة هو استبدال تمكين اثنيات بزعم انها هي المسيطرة باثنيات أخري بزعم انها هي المهمشة . ثم أن الثقافة التي هي لدي ماركس تابعة للانحياز الطبقي تصبح لدي جون قرنق تابعة للتصنيف العرقى. ولذلك فان مقولة تحرير السودان لا تعني تحرير السودان من نظام حكم بعينه وانما تحرير البلاد من سيطرة مجموعة اثنية «يطلق عليها الجلابة» مجازاً ومن ثقافة متعالية بزعمهم هي الثقافة العربية الاسلامية . وهكذا تطورت الحركة من حركة بناء اشتراكي «مهما يكن اختلاف الرأي حول ذلك» الي حركة هدم ثقافي اثني.مأزق الفكرة: هذا التحول أدخل الحركة في مأزق ضيق والمأزق بطبعه ضيق لأنه حجر الوزق الذى هو ما نسميه الضب . وهكذا أدخلت الحركة نفسها في حجر ضب خرب. ذلك أن التجاذب الاثني العرقي هو آفة الجنوب الأولي . فاذا تحول الصراع من صراع طبقي الي صراع اثني فان أول التهاب النار سيكون في جنوب السودان بادئ ذى بدء. واما الاشارة للمسألة الثقافية المتصلة باللغة والقيم الدينية والاجتماعية فانه يبطل الزعم بأن جنوب السودان بصفته وحدة اقليمية يمكن أن ينفك من الوشائج التي تصله باللغة العربية لساناً ناظماً لكل العرقيات والقبائل بجنوب السودان «وحتي في جيش الحركة نفسها» . او تلك الأواصر التي تربطه بالقيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية في شمال السودان. لاشك ان الجنوبيين الذين عاشوا في شرق افريقيا في كينيا ويوغندا قد أدركوا انهم لا يشكلون تواصلاً للقيم الثقافية والاجتماعية السائدة في تلك البلدان بقدر ما يمثلون امتداداً لما يُسمي بالثقافة السودانية التي وان كانت القيم الاسلامية واللغة العربية مشربها الرئيس الا ان مواردها عديدة ومتجذرة في الثقافات المتنوعة في ارجاء السودان المختلفة التي تعدد فيها اللهجات والعادات والمثل الاجتماعية . ومأزق الحركة الثقافي هو انها ليست داعية للتباعد من اللغة العربية والثقافة السودانية بما هي عليه لتتقارب مع لغة بديلة في جنوب السودان أو قيم ثقافية واجتماعية محلية بل انها تريد أن تكون ناسخاً للغة الانجليزية ولقيم الثقافة الغربية في محاولة عبثية لغرسها في تربة افريقية عجزت تلك اللغة وأخواتها وتلك الثقافة واضرابها ان تضرب جذورها فيها. فاللغة الانجليزية مهما ظفرت به من وضع رسمي في شرق افريقيا عجزت ان تخترق الحد الفاصل بين النخبة والشعب لتكون لغة الشعب. فالسواحلية أثبتت أن اللغة الاصلية غير قابلة للاستبدال مهما استقوت الدخيلة بالدساتير والقوانين والتعليم والاعلام الرسمي. وكذلك فان اللغة العربية والهوسا وغيرها من اللغات الأهلية في غرب افريقيا أوقفت اللغة الفرنسية قي أسوار المؤسسات الرسمية والمدارس. وظل الشعب حريصاً علي لغته وثقافته وهويته التي هي اكبر من كل متعلق آخر من لبوس الحضارة الغربية او سمتها او قيمها المتبدلة المتحولة بتبدل احتياجات الانسان المادية او طغيان غرائزه السفلية. مأزق فكرة الحركة الشعبية أنها ترمي الاغيار بدائها الذي هو تأسيس الهوية لا علي الفكرة والعقيدة والمثل الاجتماعية والاخلاقية بل تأسيسها علي الأصل العرقي. ولئن كانت الحركة لا تبصر ارتداد هذا المفهوم عليها فهي مثل ذلك الفرعون الذي لا يري عورة نفسه . بينما يكتم الناس من حوله صيحات الدهشة والاستغراب . فعندما كانت الحركة تفاوض الحكومة في نيفاشا كان مكتبها القيادي يضم ثلاثة عشراً فرداً من قبيلة واحدة واثنين فقط من كل قبائل الجنوب الأخري. ولم تكن الغلبة الاثنية علي قيادة الحركة في الماضي أو الحاضر بغائبة علي كل ذي بصر بينما تقول الحركة أنها حرب علي الاقصاء الاثني وعلي التهميش العرقي. ومأزق الحركة الفكري والثقافي أنها ليست حركة لاثبات خصوصية المكون الثقافي الجنوبي واعلاء حظه في اثراء الثقافة القومية بل هي داعية تغريب alienation واستغراب westernization . وهي بذلك تقف في الموضع الموازي لكل حركات التحرير الافريقية. بدءاً بكينيا كنيتانا الي جنوب افريقيا مانديلا والتي جميعها حركات اعتزاز بالثقافة الافريقية ودعوات لاحياء تراثها وآدابها ولغاتها. وقد لايستغرب العليم ذلك الموقف فالحركة الشعبية بخلاف حركات تمرد وثورة عديدة لم تعتمد علي تعاطف المواطنين المحليين ودعمهم واسنادهم بقدر ما اعتمدت علي دعم مجموعات الضغط والمنظمات الأجنبية. حتي كادت ان تصير بل اصبحت ربيبا و حركة متبناة للمنظمات غير الحكومية الأجنبية ومجموعات الضغط الديني الغربى . ولا تزال وهي تدنو الي نقطة التحول من وضعها الراهن الي استشراف الدولة الجديدة تضع مُعولها الأكبر لا علي شعبها بل علي تلك النجيمات البديلة في أمريكيا وأوربا. شعب جنوب السودان.. واقع الحال:تواجه الدولة الجديدة معضلة ليس لها سابقة في تاريخ نشأة الدول الافريقية . وهي حاجتها الي هوية مشتركة تعطي معني لعبارة «شعب جنوب السودان» . فاذا كان للدولة ان تكون «دولة جنوب السودان» فان أهم مكونات هذه الدولة هو شعبها . ولايكون الشعب شعباً Nation لتكون له دولة Nation State الا اذا كانت له هوية مشتركة . تقوم علي تاريخ من الحياة المشتركة والتراث الثقافي واللغة العابرة للاثنيات . وربما الكفاح المشترك من اجل مقاصد ينشدها الجميع. ولكن كل ذلك تكتنفه علامات الاستفهامات في حالة جنوب السودان. فعلي الرغم من الجغرافيا الواحدة فان قبائل جنوب السودان تعيش متباعدة مالم يقدها هذا التباعد الي حروبات طاحنة بسبب التنافس علي الموارد أو حتي العدوان لاستلاب الابقار وغيرها من الموارد الاخري. وعلي الرغم من التشابه في بعض المعتقدات والممارسات فان الحديث عن تراث ثقافي موحد لجنوب السودان حديث ينطوي علي تجاوز كبير. فالقبيلة ظلت دائما هي المرجعية الثقافية ممثلة في ثقافة تقديس الاسلاف . ولذلك فان انماط كسب العيش او طرائق ممارسة الحياة ظلت متأثرة بمعطيات البيئة وخبرة الاسلاف في التعاطي مع البيئة ومع الكون والحياة بصورة عامة . وكان انعدام اللغة الواصلة بين القبائل سبباً آخر لتكريس العزلة الثقافية القبلية . ثم أن اتجاه القبائل للمعيشة متباعدة في شكل عشائر بصورة لا تعين علي انشاء القري بل عن البلدات والمدن كان هو الآخر عاملاً في هشاشة النسيج الاجتماعي. فمن المعلوم أن التحضر الذي هو المعيشة في قري كبري أو بلدات أو مدن يشكل اكبر العوامل في دمج المجموعات السكانية لتشكل مجتمعات متماسكة قابلة للادماج في مجموعة اكبر يمكن ان يطلق عليه مفردة شعب. هذا الفراغ الاتصالي بسبب تباعد السكان وانعدام اللغة العابرة الا في المدن . وهي اللغة العربية البسيطة التي يطلق عليها عربي جوبا احياناً ولا يطلق عليها اي اسم في الاحيان الأخري جعل من الجنوبيين حالة فريدة مقاومة للاندماج الاجتماعي. فحتى عند هجرتهم للمدن الكبري فان القبائل لا تتساكن بل تنشئ مجمعاتها الخاصة بها . وينتقل نظام القبيلة الي المجمع الجديد بتقاليده وأسلوب حياته وسلاطينه بل وحتي عداءاته التاريخية. لذلك فان التحدي الأعظم الذي يواجه قيادات الجنوب اليوم هو تسريع أنماط الاندماج الاجتماعي عبر وسائل متعددة أهمها انشاء البلدات الجديدة أو توسيع تلك القديمة ونشر التعليم ومكافحة النزاعات القبلية وسد فجوات الثقة بين القبائل . ولكن كل شواهد سلوك الحركة الشعبية لا تبشر بأنها تتحرك في ذلك الاتجاه بل هي تتحرك في اتجاه الفرز القبلي وتكريس النزاعات القبلية . بل ومحاربة اللغة العربية والتي يمكن ان يعين انتشارها علي تحقيق اتصال لغوي وانساني بين قبائل الجنوب. ومحاولات استبدال اللغة العربية بالانجليزية أو السواحلية أو محاولة فرض لغة قبيلة بعينها يبدو فشلها ظاهراً للعيان لك ذي بصيرة.الاقتصاد ركيزة الدولة ولئن كان لابد للدولة من شعب متجانس فلابد لهذا الشعب من اقتصاد يكفي احتياجاته المباشرة والتكميلية. وربما ألهى النظر للموارد المالية المتاحة لجنوب السودان من خلال تصدير النفط الانتباه عن التركيز عن ازمة حقيقية في الاقتصاد الكفائي . أي قدرة شعب جنوب السودان علي تحقيق انتاج يكفي غذاءه واحتياجاته الاساسية. فالتحولات الكبيرة التي تجمعت من التغيرات البيئية ومن آثار الهجرة واللجؤ علي ثقافة العمل والغذاء تجعل مشكلة الانتاج الغذائي مشكلة حقيقية يواجهها جنوب السودان. ولن يجديه أن يعتمد شماله علي واردات شمال السودان وجنوبه علي واردات شرق افريقيا. فهذه الواردات ستجعل الدولة الجديدة عالة علي الاستيراد مما يضعف قدرتها علي النمو الي مدي بعيد. ولابد من التخطيط والعمل السريع لتحويل تربية الابقار الي نمط اقتصادي قادر علي تلبية احتياجات الغذاء والمساهمة في الاقتصاد النقدي . كما يجب توسيع الرقعة الزراعية وتنويعها بحيث تستجيب لحاجات السكان الغذائية الجديدة. وكذلك تطوير مهنة الصيد للقبائل التي تعتمد علي صيد الاسماك في طعامها. وقد لاتبدو المشكلة ماثلة في حجمها الطبيعي. ولكن القيادة في جنوب السودان ستتفاجأ بحاجتها للتعامل مع وضع انساني مريع حيث تنشأ معسكرات للجائعين حول المدن مما ينشئ وضعاً مشابها للأوضاع التي سادت في شرق افريقيا لبعض الوقت. هذا الوضع يمكن ان يتجه لمزيد من التدهور اذا أصبحت النزاعات القبلية وتمردات قادة الجيش الشعبي عاملاً آخر لدفع موجات من النزوح وتعطيل الحياة الانتاجية الاقتصادية.الأمن الداخلي والاقليمي: عدم توفر الأمن الداخلي بسبب التمرد أو النزاع القبلي ومهددات الصراع الاقليمية بسبب انتهاج الحركة لسياسة بناء محور بين جنوب السودان ويوغندا موجهاً ضد شمال السودان كل ذلك سيجعل فرص انشاء دولة قابلة للبقاء والنمو فرصاً ضئيلة للغاية. وإذا كان ثلة العقلاء من العقلاء في جنوب السودان يدركون أهمية تحويل شعارات الحركة في حقوق الانسان والديمقراطية الي واقع مملوس هنالك الا ان الافعال لا تزال تناقض الاقوال. فالحركة فشلت في بناء ديمقراطية تعددية. ولا تزال تحرص علي استدامة الواقع الشمولي الذي كرسته خلال سنوات الفترة الانتقالية. كما أن اتباع سياسة الفرز القبلي توشك أن تشعل نزاعات قبلية داخل الجيش الشعبي وخارجه تمرداً علي سلطته. فشعور قبائل باكملها مثل قبيلة الشلك بأن الجيش الشعبي أصبح مهدداً لبقاء ومصالح القبيلة دلالة علي فشل قادة الحركة في ادراك ضرورة اضفاء صفة المدنية علي الدولة . اي ابعاد العسكريين عن الهيمنة علي الدولة وكذلك بناء دولة المواطنة التي يتساوي فيها جميع المواطنين باختلاف قبائلهم او أديانهم. ولكن بالنظر الي المشهد في جنوب السودان فان توقع قيام دولة مواطنة مدنية في جنوب السودان يبدو توقعاً يستند علي الآمال باكثر من استناده علي الوقائع. ولئن كانت دولة جنوب السودان قد جاءت نتاجاً لحركة تمرد فان اخطر ما يهددها الآن هو الذي أنتجها أي التمرد نفسه . والتمرد تزكيه نزاعات قبلية وصراعات شخصية واطماع في موارد مالية لايحرسها نظام فاعل من الكفاءة او الرقابة الادارية والمالية. ولذلك سيتوجب علي القيادة ان تسرع في احتواء ظواهر التمرد من خلال توافقات سياسية. ومن خلال بناء ديمقراطية حقيقية فالفرصة لا تزال متاحة لانه وحتي هذه اللحظة فان هذه التمردات معزولة عن كل دعم اقليمي او تعاطف دولي. ولكن ذلك سرعان ما يتبدد نتاجاً لسياسات الدولة الجديدة او أطماع الدول حولها في تدوير مواردها او نتاجاً لتحركات لوبيات او أجندة دولية سرعان ما تجد من يعبر عنها وعن أجندتها في واقع الدولة الجديدة. كان ما كان آنفاً ما قالناه قبل إعلان الاستقلال وجريان لأقول مياه كثيرة تحت الجسر بل دماء كثيرة فوق كل شىء وتحت كل شىء فما هو مسير ومصير الحركة الشعبية بعد كل ما جرى يا ترى.
نواصل
د. أمين حسن عمر

مقالات د. امين حسن عمر>>

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!