الدين المشوه … سموأل الشفيع !

قبل عام كنت في القرية، أخبرني عمّي بسعادة عن المغتربين الذين أرسلوا 700 مليون لبناء المئذنة لأحد مساجد القرية الثماني. قلت له أنّ غرض المآذن القديم كان إيصال صوت المؤذن لأبعد مسافة، ولتسهيل وصول الغريب إلى المسجد، لكنكم تعرفون مكان المسجد، فالأولى تطوير المستشفى والمدارس.أضاف عمي شاكراً وموضحاً دور المغتربين في صيانة المدارس والمستشفى. ثم قال لي أن بعض الموسرين بنوا مسجداً جديداً في مساحة أرضٍ خالية كانت محل دكان التعاون القديم الذي كان يوفّر البضائع بسعرٍ أقل للجميع. بلا شك أن حاجة الناس إلى بضائع رخيصة أكبر بكثير من المسجد الإضافي. لكن المسلمين يظنون الأجر الأعظم في المساجد، ثم في آبار المياه. عندما توفي صديقنا أراميس بالنرويج تجادل أصحابه عن وقفٍ يُعمل باسمه، الغالبية منهم وهم أبناء مدارس كمبوني وسيستر سكول تمسّكوا بفكرة بئر الماء، لأنه أعظم أجراً. لم يقبلوا بالطبع بفكرة مكتبة باسمه في كلية الفنون التي تخرّج منها. حتى المثقفون يصيبهم الاضطراب والتشوّش أمام نصوص الدين.
بلا شك ساهمت الإنقاذ بشكلٍ كبير في إفساد الدين وإفساد تصورنا له، انهمك الناس في بناء المساجد، والاعتكاف للصلوات، والتفاخر بالحج، وتوزيع المصاحف، والزواج الجماعي، في الوقت الذي انهارت فيه المشروعات الزراعية، وزاد الفقراء فقراً، وانتشرت البطالة، وتفكّكت أواصر النفير والتعاون والتعاضد، وعمّ الفساد فصار كل الشعب سمساراً يقتل أخاه من أجل حفنة جنيهات.
لكن حتى التديّن القديم، بما فيه من تسامح وتقبّل وانفتاح، كان معيباً. مرّت أكثر من ألف عام منذ كان الناس يثقون بقول النبي بأن المشي في حوائج الناس أفضل من الاعتكاف في المسجد. ومرّت عقودٌ طويلة منذ كان الناس يوقفون الأوقاف لخدمة من لا يعرفون. ومرّت مئات السنين منذ ترك أحدهم الحج ليطعم بالمال الجوعى والمحتاجين. وقد تمرّ عشرات السنين قبل أن يدرك الناس أن عليهم أن يوظفوا المال الذي لديهم في حلّ مشكلاتهم، بدلاً من السفر إلى العمرة والدعاء بأن يصلح الله الحال. الله ليس في الكعبة، والمال الذي في يدك هو عطيّته لك لتحل مشكلاتك. في كل رمضان يذهب أكثر من مئة شخص من قريتنا إلى العمرة. مجتمعات المسلمين تحب العجز وتزعم أنه يرضي الله. لو أنهم أسسوا صندوقاً لتمويل الأعمال الصغيرة، لتمويل المشروعات، للإنتاج، سيعود ذلك بالنفع على الخريجين وأهل القرية. لكنهم سيواصلون الشكوى من عدم توفر الدجاج واللحوم والخضروات والعمل والتجارة والخدمات الصغيرة وتدهور المستشفى. العجيب أنهم جميعاً يضطرون للسفر إلى مدن أخرى للعلاج. لكن لأن كل واحد يسافر وحده لا يشعرون بالتكلفة والخسارة.
على الناس أن يتركوا البحث عن الأجر بالطريقة الخرقاء العاجزة، ويصنعوا طرقاً جديدة لإصلاح حياتهم والحصول على رضا الله. آبار المياه كانت عملاً مهماً في صحراء العرب لندرة الماء، أما الآن فالناس أحوج للمكتبات العامة والورش والخدمات والتدريب وتطوير القدرات وتوظيف ما لديهم من موارد بشرية وطبيعية. الله ليس في مكانٍ معيّن لتذهب إليه، بل حسب الحديث هو عند جارك الجائع والمريض والمحتاج.
صارت التراويح سنةً راتبة في عصرنا، رغم أنها لم تكن كذلك إلا في عهد عمر بن الخطاب، ثم صار التهجّد سنّةً معتبرة يشعر من لا يؤديها بالتقصير الشديد والضلال عن درب الله. وسيصير، بعد سنوات قليلة، عشاء المتهجدين أعلى أعمال البرّ والخير، ولن يكترث الناس بالمشردين والفقراء والغارمين من الجيران والأهل وحتى الغرباء. المساجد صارت قصوراً فخيمة يزيّنها النجف والسجاد الفاخر والبخور والأبواب الزجاجية والمكيّفات الفخمة. الدّين يتحول لظاهرة رأسمالية تتعالى عن الفقراء والمساكين والمسحوقين الذين جاء النبيّ ليمنحهم الحرية والمكانة والحق والمساواة. الدّين يتحوّل إلى ظاهرة رأسمالية تتعالى حتى عن الإنسان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!