المناضل الحاج عبدالرحمن

ولد بقرية حواري بالمديرية الشمالية في سن صغيرة ختم حفظ القرآن وقبل بمدرسة عطبرة الابتدائية حوله الانجليز إلى مدرسة عطبرة الصناعية – رغم تفوقه – فاثبت براعة وتميزاً في عمله بورشة العمليات تحدوهماثقافة ذاتية متفردة ووعياً واسعاً بقضايا الوطن وحقوق أهلية. كان وهو في سن يافعة يتحدث كثيراً عن حقوق وواجبات العمل والعمال، المخدم والمستخدم والأجور.. قاد أول إضراب نفذه خريجي المدارس الصناعية فتم فصلهم وتجاوبت معهم ورش السكة الحديد فارجتهم الإدارة الانجليزية للعمل. تجلت ملامحه القيادية وسط العمال وأهل مدينة عطبرة وأصبح في وقت وجيز من أبرز قادة نقابة السكة الحديد سكرتيراً عامة لأكبر نقابة عمالية بالسودان برغم صغر سنة كان مقداماً ومصادماً للاستعمار، متصدياً لأي اجحاف في حق الوطن والمواطنين يصدر من الأنظمة الشمولية وحتى في العهود الديمقراطية كان خطيباً مفوهاً وشاعراً فحلاً ومحدثاً صادقاً مقنعاً وملهمباً للحماس.. أحبه الناس واشتهر بتجاوب العمال والمواطنين معه في كل موقع.. عاملاً أساسياً لانجاح أي إضراب حتى قيل في حقه إذا أردت إنجاح ليلة سياسية يخرج منها الناس مقتنعين. قدم فيها الحاج عبدالرحمن.. العبارة الشهيرة التي كان لهتف لها الحشود حين يخاطبها الحاج هي «أحرق يا حاج!» وتلتهب الأكف بالتصفيق، مشهود عنه أن له دور شخصي طاغي (بغير دوره النقابي) في رفع المستوى الفكري والمعيشي للعاملين… وأسهم بدور ريادي في انشاء دور العمال ونشاطها الجمعيات التعاونية وإحياء الزوايا بدورها الديني والاجتماعي إدارة بعطبرة ولا حقاً بالخرطوم صارت ملاذاً لكل من له عشم بقضية الحاج بشهامته وعلاقته الواسعة وكما وصفوه أنه «سريع النهمة» لاقي في عهد الرئيس عبود عنتاً وتعسفاً عظيماً تمثل في الاعقالات المسيرة والسجن والمحاكمات والخصم حتى تم فصله من الخدمة وجعلت الصحافة عنوانها الرئيس «فصل الحاج عبدالرحمن» وظل مصدر قلق للسلطات وهاجساً كبيراً لها بجسارة فائقة معدومة المثيل جعلته يستحق مقولة «عندما وزعوا الخوف على الناس، الحاج عبدالرحمن لم يكن حاضراً» كتب عنه عبدالله عبيد في كتابه يشهد له زملاؤه وسجله الحافل أنه لا يتردد في قوله الحق أمام حاكم ظالم مهما كان جبروته» كان أحد فرسان ثورة أكتوبر 1964 المجيدة بعدها تم انتخابه لمقعد السكرتير المساعد باتحاد عمال السودان واستمر بهذا المنصب الهام حتى وضعه نميري بالسجن مع من اعتقلهم وصفى بعضهم عقب حركة 19 يوليو 1971 طيلة عمله ذاك كان شعله من النشاط والفكر الملهم بكاريزما قيادية طاغية مفعمة بتواضع جم تمليه طبيعته الطاهرة وسريرته النقية ومخافته لربه تعالى في كل ما يقول ويفعل ويؤمن به، وكانت هذه شهادة الجميع.. كان كثير التسفار للاقاليم ليتلمس مشاكلهم بنفسه وكثير الالتصاق بالجماهير.. أولته مدينة الحديد والنار «عطبرة» وما جاورها ثقتهم فانتخبوه عام 1968م ممثلاً جديراً لهم ف معركة انتخابية شهيرة.. حقق فوزاً عظيماً فكان النائب الوحيد الذي احتفلته أقاليم السودان جمعاء حتى تاريخنا هذا والنائب الوحيد الذي حضر إلى قبة البرلمان فيموكب مهيب لابساً (الاوفرول) حاملاً «شاكوش» في اشارة واضحة لقوى العاملين الذين كرموه أمام البرلمان بمنحه «وساماً» ولكنه كان صوت الأمة الجهير بكل فئاتها لم يترك شاردة ولا واردة من قضاياها إلا واضطلع بها وكان معروفاً في المحافل الدولية والمؤتمرات العربية والعمالية العالمية إبان إرهاصات حرب 1967 تم اختياره على رأس وفد من مؤتمر العمال العرب لمقابلة الرئيس العظيم جمال عبدالناصر وكان المانشيت الرئيسي بالصحافة «عائد من خط النار» سجل التاريخ مواقف للزعيم الحاج كان فارسها ومنها تضرر المظاهرات العظيمة للاحتجاج على بيع حلفا – تم سجنه وترحيله وكان حينها يعتلي حائط مسجد عطبرة ويخطب في الجموع، طلب منه الضابط ان ينزل والاسيضربه بالرصاص. فما كان من الحج إلا أن مزق قميصه بيديه القويتين كاشفاً صدره العاري وقال قوله الشهير «أضرب يا جبان» فكانت كالنار في الهشيم واشتعلت المظاهرة حماساً في إحدى المرات تم اعتقاله وحاكموه في زمن عبودد بمجلس عسكري ايجازي عالي، حين كان النضال ضد الطغمة يحسبونه «سوء سلوك» وتم ابعاده (منفي) إلى جنوب السودان تاركاً وراءه والدين كبرين في السن وأطفالاً صغاراً وزوجة على وشك الوضوع وكل هذا لم يفت في عضده أو يلين قناته في تلك الفترة قام اللواء طلعت فريد وزير الاستعلامات والعمل انذاك بزيارة رسمية لمدينة عطبرة وطلب أن يتضمن برنامجه زيارة أسرة سجينه الحاج القابع بالجنوب، اعزاراً لرجولته وصلاحيته عقب عودة نميري في 22 يوليو 1971 وبعد قتله للشهيد الشفيع ورفاقه باسبوعين فقط جاء الى سجن كوبر مستفزاً أكثر من 700 سجين وتحدي الماركسين أن يخرجوا له فخرج له أولاً الحاج عبدالرحمن متحدياً، بل وحدثت بينهما ملاسنة ختمها النميري صارخاً في وجه الحاج «اخرص» فرد عليه العملاق الحاج بقوله على الفور نحن لم نطلبك لتحضر الينا انت الذي حضرت فاخرس أنت وأخرج فما كان من النميري الا أن أمر بوضعه في زنزانة انفرادية ولكنه اعقبها بقوله ان الحاج اشجع الرجال! بعد هذه الحادثة بأيام قليلة حين حضر وفد اتحاد العمال العرب لتقصي الحقائق حول مقتل الشفيع طلبوا مقابلة الحاج عبدالرحمن بالاسم وتم تحذيره الا يسرف في هذا الشأن، قال لمحذره «أنا لست ممن يقال له أفعل أو قل ولا تقول» وخرج إلى الوفد وبرأ الشفيع.. وقال قولته الشهيرة «الأمة السودانية ليست بعاقر وإذا مات الشفيع فهناك ألف شفيع» تم تكريمه من كيانات كثيرة منها وسام من مركز عبدالمجيد إمام كأحد رواد ثورة اكتوبر نوط الجدارة من الرئيس عمر البشر. الحركة الشعبية بدارها بالمقرن منظمة «أنا عطبرة» بالتعاون مع اتحاد عمال السودان بقيادة بروف غندور واخرها في مايو الماضي تم تكريمه في دار حزب المؤتمر الشعبي مع نقابين في دار الحزب الشيوعي ببحري – وفي عطبرة بذكرى أول مايو عيد العمال العالمي. تحشد الصحف بمقالاته واسهاماته وقصائده وله كتب «أضواء على التراث النقابي في السودان» وديوان اسمه «أنا عطبرة» والتي اتخذت المنظمة المذكورة اسمها امنه. توفى 12 / 7 / 2000 لا يملك في كل ولاية الخرطوم غير قبره ببحري.
صحيفة آخر لحظة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!