“كلي يا كمي قبل فمي” … “علي إسماعيل جامع”

هذا الكلام من أقوال الشيخ فرح ود تكتوك والكثيرون يعلمون قصة هذا الكلام والحكم على الناس بالمظهر من طبائع الناس بيد أننا نعلم أن المظاهر خداعة وتجعلك تعطي الناس تقديرا لا يستحقونه أو تحرمهم من تقدير يستحقونه، فإن كنت أنت الذي حكم على شخص بمظهره ثم تبين لك أنك أعطيت الشخص أكثر مما يستحق فتمدد قدميك لتجلس بارتياح مثل أبي حنيفة أو تبين لك أنك قللت من شأن شخص فتركض بقدميك مثل المسئول الذي عرف بعد فوات الآوان أن الذي كان يقف أمامه هو المدير الجديد وهو لم يكترث به فأخذ يركض في دهاليز البناية بحثا عنه ليعتذر . أما إن كنت أنت الذي حكم عليه الأخرون بمظهره فإما أن يكونوا عظموك وهم يجهلون حقيقة أمرك فتقول في سرك : “الجماعة دقسوا” أو تظن أنك تستحق التعظيم فتمشي مختالا فيكون حالك كحال الذين وصفهم الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس
أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
أو يكونوا حقروك وفي هذه الحالة إما أن تمضي في سبيلك من غير ضجيج ولسان حالك : ” العارف عزو مستريح ” أو تهذي بكلمات و تأتي بأفعال لتثبت أنك أعظم قدرا مما ظنوا.
وأظن يا أصحابي أنكم شهدتم مواقفا من هذه الشاكلة إما في أنفسكم أو في غيركم وذات يوم قبل أكثر من عشر سنوات ذهبت إلى بنك من بنوك العاصمة لأصرف شيكا وطلبت مني الموظفة الجلوس على مقاعد الصالة حتى إتمام الإجراء فجلست وطال انتظاري وكلما أنظر إلى الموظفين أراهم يتحركون جيئة وذهابا تارة ينظرون إلي وتارة إلى الشيك وتارة يجرون اتصالا بالهاتف وأنا أقول في نفسي : “يا لطول إجراءات هذا البنك” ثم نادتني الموظفة وقالت لي وهي تمد الي بالشيك : “التوقيع ما مطابق” قلت لها : ” شنو … التوقيع ما مطابق !!؟؟ إنتي متأكدة ؟ قالت لي : “آيي ما مطابق” دارت في رأسي خواطر كثيرة عن صاحب التوقيع هل أخطأ استعجالا أم تعمد أم ماذا ؟ وإن كان متعمدا فما هو دافعه ؟ أخرجت هاتفي واتصلت بصاحب التوقيع لأخبره بما حدث ولكن هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه واتصلت المرة تلو الأخرى بلا جدوى فلما يئست خرجت من البنك ثم اتصلت بصديق له قريب منه وأخبرته بما حدث ونجح صديقه ذلك في الاتصال به وأخبره بما حدث فاتصل بالبنك فقالوا له : ” التوقيع مطابق ولكن مظهر حامل الشيك أوحى لنا بالشك فقلنا له التوقيع غير مطابق وحاولنا الإتصال بك ولكن هاتفك مغلق فسألني صاحب التوقيع قائلا : “إنت كنت لابس شنو يا علي ؟” فقلت له : ” جلابية وطاقية ” فقال : “يبدوا أن موظفي هذا البنك اعتادوا على عملاء لبسهم ثياب مكتملة أفرنجية كانت أو سودانية” فقلت : إن كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يقولوا لي لبسك غير مطابق بدلا من التوقيع غير مطابق فقال لي : هب أنهم قالوا ذلك فماذا كنت تفعل؟ قلت له : أفعل مثل ما فعل الشيخ فرح ود تكتوك، أذهب وأتيهم بثياب مطابقة.
وضحكنا كثيرا ثم قال لي : “سأعطيك أوكاش وأخذ منك أوشيك” فقلت له:
كم من قتيل في حب كاش سقطا
أم كم حبيسا بكتب شيك سجنا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!